بقدر ما يشكّل الحراك الشعبي الأردني أداة ضغط على النظام السياسي، فهو يُعتبر رافعة حقيقية وسنداً للنظام في تحركاته السياسية والاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ذلك أن حركة الجماهير تعطي النظام السياسي الشرعية والقوة، مثلما ظهر في قضية رفض عمّان تجديد تأجير أراضي الباقورة والغمر للاحتلال الإسرائيلي. فقد جاء قرار العاهل الأردني عبدالله الثاني، إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل يوم الأحد الماضي، بعد 24 عاماً من توقيعها، متوافقاً مع الحراك السياسي المتصاعد، الذي بدأ قبل ما يزيد عن سبعة شهور، وشاركت فيه الحركة الوطنية، التي أسست "الحملة الوطنية لاستعادة الباقورة والغمر" (أراضينا) بالتعاون مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب والنقابات، وتكلّلت الجهود بتحقيق الهدف المنشود وهو قرار إنهاء الاتفاقية، كخطوة مهمة لعودة السيادة على هذه الأراضي.
وفي هذا المجال، يمكن القول إن المعارضة التي تُجير إنهاء العمل بالنظام الخاص بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام، للحراك الشعبي، تُجانب الدقة المطلقة، كما يجانب الدقة والموضوعية كل الذين يقولون إن القرار الملكي أتى بمعزل عن الحراك الشعبي والضغط الجماهيري. الوضع السياسي في الأردن، مختلف عن معظم دول المنطقة، ويعرف ديكوراً ديمقراطياً، في نظام اختلطت فيه الملامح البرلمانية مع صلاحيات الملك الواسعة، ليصبح النظام مختلطاً، لا هو بالنظام الديمقراطي الكامل، ولا هو بالنظام الشمولي المطلق، لتتأرجح القرارات وفق الظروف الإقليمية، والمعطيات المحلية.
اليوم يعيش الأردن أزمة اقتصادية، ولا يمكن الحديث عن السياسة بمعزل عن الاقتصاد، فالدولة الأردنية بكل مكوّناتها، الحكومة والبرلمان، والشعب والنظام، لا يمتلكون القدرة على خلق معجزة اقتصادية تنسي الشعب المعاناة. وفي هذه الأجواء، جاء هذا القرار باسترداد الباقورة والغمر، الذي اتفقت مجمل مكوّنات الكتلة الشعبية الأردنية على وصفه بـ"التاريخي"، وعبّر عنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الدبلوماسي الذي لا يقطع خيوط الوصل مع دولة الاحتلال، بالقول إن "الأردن دولة لها مكانتها، وتصرفنا وفق القانون، كما نمتلك الأدوات في الدفاع عن مصالحنا". ويلبي قرار إلغاء ملحقي الباقورة والغمر، في الآن نفسه، "غرور" السياسيين، كما يلبي طموح المواطنين بمواجهة دولة الاحتلال، العدو الأول بعيون الأردنيين، على مختلف مشاربهم، فحقق الجميع هدفه.
اقــرأ أيضاً
وفي العودة إلى تفاصيل "المسيرة الاحتجاجية"، وهي الفعالية الشعبية التي جرت الجمعة الماضية احتجاجاً على صمت الحكومة حول أراضي الباقورة والغمر، يظهر التوافق بين الفعاليات الشعبية المحتجة، والحكومة ممثلة بالأجهزة الأمنية المتواجدة في مهمتها الوظيفية، فحصل اتفاق سلس للغاية على مساحة الحركة المسموحة والمتاحة لكلا الطرفين. وكان المعلن وفق منظّمي المسيرة أن تنطلق الجماهير من مجمّع النقابات المهنية، إلى مقر الحكومة في الدوار الرابع، لكن في الواقع لم يكن المنظمون يمتلكون الإصرار والرغبة للوصول إلى مقر الحكومة بقدر إيصال صوتهم إلى الطرف الآخر، في ذات الوقت لم تكن الأجهزة الأمنية لتمنعهم من الخروج من مجمّع النقابات والسير في الشوارع العامة، بل منحتهم حرية الحركة، على ألا يصلوا إلى مقر الحكومة، وتلك هي المعادلة التي تحكم العلاقة بين الحراكيّين المنضبطين والأمن الناعم، لتبقى صورة الطرفين محافظة على هيبتها. ما حدث في المسيرة كان مشابهاً للقرار السياسي وتداعياته، فالملك اتخذ قراراً شعبياً، نال فيه الإشادة من المعارضين قبل الموالين، فيما اعتبر الحراك الشعبي نفسه في حكم المنتصر، ليعلن أن الحراك قادر على تغيير المعادلة والمواقف، وأن الحديث عن عبثية الحراك الجماهيري هو مصطلح فقط يستخدمه اليائسون.
أما العلاقة بين الأردن وإسرائيل فهي فاترة في كثير من الأحيان، لكنها لا تصل يوماً إلى حد القطيعة، وكل طرف يحاول تسجيل النقاط على الآخر، بكل ما يملك من إمكانات، ولكن الطرفين متفقان على إبقاء العلاقات الدبلوماسية بما يحقق مصالحهما، التي لا تتفق في كثير من الأحيان مع الرغبة الشعبية التي تنطلق من القناعات والمبادئ ولا تحكمها المصالح.
الأردن اليوم حقق انتصاراً باستعادة أراضي الباقورة والغمر التي احتلت إسرائيل الجزء الأول منها (الباقورة) عام 1950، وتبلغ مساحتها ستة آلاف دونم. أما الاحتلال فهو أيضاً حقق انتصاراً بالحصول على اعتراف شعبي أردني باتفاقية وادي عربة، مع قناعة بأن التهديدات الإسرائيلية للأردن بقطع المياه هي للاستهلاك المحلي الإسرائيلي لا أكثر. ذلك أن اتفاقية وادي عربة جعلت الأردن يستعيد من الباقورة والغمر 850 دونماً فقط عام 1994 ضمن اتفاقية السلام، أما منطقة الغمر الواقعة بالقرب من طريق البحر الميت القديم داخل الأراضي الأردنية بشكل طولي، فقد احتلتها إسرائيل عام 1967، ومساحتها 4 آلاف دونم، وكلها مناطق زراعية خصبة. كذلك منحت اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية (وادي عربة) إسرائيل حق استخدام هذه الأراضي لمدة 25 عاماً، ويحق لأي من الطرفين قبل انتهاء المدة بعام إبلاغ الطرف الآخر برغبته في إنهاء الاتفاق حولها، وهو ما فعله الأردن بإبلاغ إسرائيل بقرار إنهاء العمل بالنظام الخاص بأراضي الباقورة والغمر.
اليوم يعيش الأردن أزمة اقتصادية، ولا يمكن الحديث عن السياسة بمعزل عن الاقتصاد، فالدولة الأردنية بكل مكوّناتها، الحكومة والبرلمان، والشعب والنظام، لا يمتلكون القدرة على خلق معجزة اقتصادية تنسي الشعب المعاناة. وفي هذه الأجواء، جاء هذا القرار باسترداد الباقورة والغمر، الذي اتفقت مجمل مكوّنات الكتلة الشعبية الأردنية على وصفه بـ"التاريخي"، وعبّر عنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الدبلوماسي الذي لا يقطع خيوط الوصل مع دولة الاحتلال، بالقول إن "الأردن دولة لها مكانتها، وتصرفنا وفق القانون، كما نمتلك الأدوات في الدفاع عن مصالحنا". ويلبي قرار إلغاء ملحقي الباقورة والغمر، في الآن نفسه، "غرور" السياسيين، كما يلبي طموح المواطنين بمواجهة دولة الاحتلال، العدو الأول بعيون الأردنيين، على مختلف مشاربهم، فحقق الجميع هدفه.
وفي العودة إلى تفاصيل "المسيرة الاحتجاجية"، وهي الفعالية الشعبية التي جرت الجمعة الماضية احتجاجاً على صمت الحكومة حول أراضي الباقورة والغمر، يظهر التوافق بين الفعاليات الشعبية المحتجة، والحكومة ممثلة بالأجهزة الأمنية المتواجدة في مهمتها الوظيفية، فحصل اتفاق سلس للغاية على مساحة الحركة المسموحة والمتاحة لكلا الطرفين. وكان المعلن وفق منظّمي المسيرة أن تنطلق الجماهير من مجمّع النقابات المهنية، إلى مقر الحكومة في الدوار الرابع، لكن في الواقع لم يكن المنظمون يمتلكون الإصرار والرغبة للوصول إلى مقر الحكومة بقدر إيصال صوتهم إلى الطرف الآخر، في ذات الوقت لم تكن الأجهزة الأمنية لتمنعهم من الخروج من مجمّع النقابات والسير في الشوارع العامة، بل منحتهم حرية الحركة، على ألا يصلوا إلى مقر الحكومة، وتلك هي المعادلة التي تحكم العلاقة بين الحراكيّين المنضبطين والأمن الناعم، لتبقى صورة الطرفين محافظة على هيبتها. ما حدث في المسيرة كان مشابهاً للقرار السياسي وتداعياته، فالملك اتخذ قراراً شعبياً، نال فيه الإشادة من المعارضين قبل الموالين، فيما اعتبر الحراك الشعبي نفسه في حكم المنتصر، ليعلن أن الحراك قادر على تغيير المعادلة والمواقف، وأن الحديث عن عبثية الحراك الجماهيري هو مصطلح فقط يستخدمه اليائسون.
الأردن اليوم حقق انتصاراً باستعادة أراضي الباقورة والغمر التي احتلت إسرائيل الجزء الأول منها (الباقورة) عام 1950، وتبلغ مساحتها ستة آلاف دونم. أما الاحتلال فهو أيضاً حقق انتصاراً بالحصول على اعتراف شعبي أردني باتفاقية وادي عربة، مع قناعة بأن التهديدات الإسرائيلية للأردن بقطع المياه هي للاستهلاك المحلي الإسرائيلي لا أكثر. ذلك أن اتفاقية وادي عربة جعلت الأردن يستعيد من الباقورة والغمر 850 دونماً فقط عام 1994 ضمن اتفاقية السلام، أما منطقة الغمر الواقعة بالقرب من طريق البحر الميت القديم داخل الأراضي الأردنية بشكل طولي، فقد احتلتها إسرائيل عام 1967، ومساحتها 4 آلاف دونم، وكلها مناطق زراعية خصبة. كذلك منحت اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية (وادي عربة) إسرائيل حق استخدام هذه الأراضي لمدة 25 عاماً، ويحق لأي من الطرفين قبل انتهاء المدة بعام إبلاغ الطرف الآخر برغبته في إنهاء الاتفاق حولها، وهو ما فعله الأردن بإبلاغ إسرائيل بقرار إنهاء العمل بالنظام الخاص بأراضي الباقورة والغمر.