ثالث انقلاب لأتباع الإمارات في اليمن: محاكاة تجربة الحوثيين

27 ابريل 2020
انتشار مسلحي "المجلس الانتقالي" بعدن أمس(صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -
توّج المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً تصعيده العسكري، منذ أسابيع جنوب اليمن، بانقلاب هو الثالث من نوعه منذ أن أشرفت الإمارات على تأسيسه قبل ثلاثة أعوام، إذ أعلن ليل السبت الأحد ما سماها "حالة الطوارئ" في العاصمة المؤقتة عدن وباقي المدن الجنوبية و"إدارتها ذاتياً". لكن سرعان ما اصطدمت خطوة "الانتقالي" بمواقف رافضة لها من قبل الحكومة اليمنية، فضلاً عن انتقادات من داخل المحافظات الجنوبية. وبالتزامن رأى البعض في قرارات الانتقالي محاولة لمحاكاة تجربة الحوثيين في "الإدارة الذاتية" للمناطق الخاضعة لسيطرتهم، بعد أن فرضوا مشرفين أمنيين على الوزراء، وكافة قيادات الدولة عقب اجتياحهم صنعاء قبل 5 سنوات. ولم يحقق "الانتقالي" من إعلانه الجديد سوى استكمال السيطرة على بعض المرافق الحيوية التي كانت تحت إشراف القوات السعودية، وعلى رأسها البنك المركزي اليمني والبنك الأهلي في كريتر، وميناء عدن في المعلا، وميناء الزيت في البريقة، بالإضافة إلى مطار العاصمة المؤقتة. أما في باقي المدن الجنوبية، التي أعلن أنه سيقوم بإدارتها، فردّت عليه سريعاً، إذ أعلنت 6 محافظات جنوبية، هي شبوة وسقطرى وأبين والمهرة وحضرموت وحتى لحج، الخاضعة عملياً لسيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للانتقالي، رفضها بيان الأخير، واتفقت جميعها على أنّ خطوته "فعل غير مسؤول" و"انقلاب على اتفاق الرياض والشرعية الدستورية". وكانت السعودية قد رعت اتفاقاً بين الانفصاليين والحكومة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عُرف بـ"اتفاق الرياض"، ونصّ على إشراك الانتقالي في حكومة وحدة وطنية مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، إلا أنه تعثر وسط اتهامات من الطرفين بعرقلة بنوده العسكرية والأمنية.
وتشكل المحافظات الرافضة لبيان "الانتقالي" الثقل الأكبر، كون بعضها يحتضن منابع النفط والغاز، مثل شبوة وحضرموت، بالإضافة إلى منافذ برية مهمة، كما هو الحال في حضرموت والمهرة. وهذه الإمكانات لا تتوفر في باقي المحافظات الثلاث التي تخضع بالفعل لسيطرة المجلس منذ أكثر من عامين، وهي عدن والضالع ولحج.
وجاء رفض المحافظات الست على الرغم من أنّ بيان "المجلس الانتقالي" كان قد حاول كسب ودّ القائمين عليها، عندما دعاهم إلى الاستمرار في أعمالهم. غير أنّه ربط الاستمرارية بأنها تتم بـ"ما لا يتعارض مع مصالح الشعب الجنوبي"، في إشارة إلى ضرورة الولاء المطلق له.

وكانت الخارجية اليمنية قد سارعت إلى الرد فجر الأحد على خطوة "الانتقالي الجنوبي"، معتبرة أن ما أعلنه بمثابة "استمرار للتمرّد المسلح في أغسطس/ آب الماضي، وإعلان رفض وانسحاب تام من اتفاق الرياض" الذي كان قد وقع بين الطرفين في السعودية قبل أشهر. وهذا هو الانقلاب الثالث الذي يعلنه الانفصاليون على الحكومة، إذ دعمت أبوظبي في الرابع من مايو/أيار 2017 الانقلاب الأول أو ما أطلق عليه "إعلان عدن التاريخي"، وتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كرد فعل على إقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي لمحافظ المحافظة الأسبق عيدروس الزُبيدي الذي يرأس المجلس الانتقالي حالياً.
وفي أغسطس/ آب 2019، قام المجلس الانتقالي بالانقلاب الثاني على الشرعية، بعد إعلان "التعبئة العامة" ودعوة أنصاره لمحاصرة قصر "معاشيق" الرئاسي، حيث تم اجتياحه، فضلاً عن السيطرة على معسكرات الشرعية كافة وطرد وزراء الحكومة كافة من عدن. وحمّلت الخارجية اليمنية، في بيان نشرته عبر "تويتر"، "المجلس الانتقالي وحده التبعات الخطيرة والكارثية لإعلان كهذا"، وقالت إنّ "الانتقالي يأبى تحكيم العقل وتنفيذ ما عليه وفقاً لاتفاق الرياض، ومراعاة الحالة الكارثية التي تمرّ بها عدن، ويصر على الهروب وتغطية فشله بإعلان استمرار تمرده المسلح".
وعلى الرغم من الدعوة الحكومية إلى السعودية لاتخاذ موقف صارم إزاء استمرار تمرّد "الانتقالي"، إلا أنّ الرياض لم تتخذ أي موقف حتى مساء أمس. وحاول القيادي السلفي في "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، مغازلة الرياض عقب صدور بيان المجلس، وقال إنّ الأخير "لا يزال عاقداً الأمل على السعودية وقيادتها الحكيمة"، وفقاً لتغريدة نشرها على "تويتر".


وعلى الرغم من أنّ بيان "الانتقالي" يعدّ تمرّداً جديداً على الشرعية، إلا أنّ خبراء أكدوا أنه يجب التوقف عند عدد من الرسائل الضمنية التي حملها، وأولاها "التراجع عن مطلب الانفصال"، إذ لم يرد على ذكر هذه العبارة في بيان المطول الذي أصدره.
كذلك لم يعلن عن "إدارة بديلة" في المحافظات الجنوبية، إذ دعا "محافظي الجنوب ومسؤولي المؤسسات والمرافق العامة من أبناء الجنوب للاستمرار في أعمالهم وبما لا يتعارض مع مصالح شعبنا". كذلك ظهر القيادي الانفصالي، أحمد سعيد بن بريك، والذي ترأس اجتماع هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي التي أعلنت "الإدارة الذاتية"، وهو يرتدي بزة عسكرية في المكتب الخاص بمحافظ عدن، أمس الأحد، وخلفه صورة الرئيس عبد ربه منصور هادي، في إشارة لا تخلو من الدلالات. وكان وكلاء الإمارات قد قاموا أمس بزيارة إلى مقر محافظة عدن، وعقدوا ما وصفوه بـ"أول لقاء بين قيادة المجلس الانتقالي ومسؤولي عدن". وحاول "الانتقالي" طوال يوم أمس إضفاء شرعية على بيانه، إذ واصلت وسائله الإعلامية نشر بيانات قالت إنها صادرة من نقابات وجاليات جنوبية ومؤسسات، تعلن تأييدها إعلان إدارة الجنوب وحالة الطوارئ، بهدف الردّ على بيانات محافظي المحافظات الموالين للشرعية.

وبرأي عضو لجنة صياغة الدستور اليمني، ألفت الدبعي، في تغريدة نشرتها على "تويتر"، فإن "الانتقالي تراجع عن مطالب الانفصال واستعادة الدولة، وهذه نقطة إيجابية ينبغي البناء عليها، وتشير إلى أنّ الهدف تحسين الشروط التفاوضية. يجب الذهاب لترتيبات أمنية وسياسية فدرالية وفقاً لمخرجات الحوار الملزمة بتنفيذها دول التحالف". من جهته، قلل الناشط السياسي اليمني، وعضو مؤتمر الحوار الوطني، شفيع العبد، من بيان "الانتقالي"، وقال إنه لم يحمل جديداً، كونهم المسيطرين الفعليين على عدن ولحج والضالع وأجزاء بمحافظة أبين منذ أغسطس/ آب الماضي. وذكر العبد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "الإعلان الذي كان هدفه وأد انتفاضة الشارع ضدّ الانتقالي بدرجة أساسية، سيؤدي فقط إلى تكريس الانقسام الحاصل في الجنوب، خصوصاً أنّ أجزاء من أبين وشقرة ومحافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى تخضع للشرعية ومحافظيها يتعاملون مع الحكومة الشرعية فقط". وتابع: "هي محاولة منهم أيضاً للهروب إلى الأمام، والتنصّل من تنفيذ اتفاق الرياض، سواء بعد تنصلهم من تنفيذ البنود الخاصة بتشكيل اللجان الأمنية والعسكرية، أومنع الحكومة من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن كما حدث أخيراً".
وجاءت خطوة الانتقالي بعد توسّع رقعة الاحتجاجات الشعبية في عدن خلال الأيام الماضية، والتي نددت بانعدام الخدمات.
وللمرة الأولى، كانت الاحتجاجات الشعبية تهتف "لا انتقالي... لا شرعية" في مديرية التواهي، التي يقع في نطاقها مقر المجلس الانتقالي، ومنازل عدد من القيادات الانفصالية البارزة.

المساهمون