تسوية في جنوب السودان تقصي سلفاكير مؤقتاً

08 اغسطس 2017
سيترشح سلفاكير للانتخابات المقبلة (شارلز أتيكي لومودنغ/فرانس برس)
+ الخط -
يتجه جنوب السودان إلى تسوية تهدف لإحلال السلام فيه، عبر تشكيل حكومة انتقالية تحضّر لانتخابات مبكرة العام المقبل، وذلك بعد إقناع الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت بالتنازل طواعية عن السلطة مؤقتاً، وفق ما كشفت مصادر من الحكومة الجنوبية وأخرى في إثيوبيا مقربة من الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، لـ"العربي الجديد".
وذكرت المصادر أن سلفاكير ميارديت رضخ لضغوط دولية وإقليمية للتنازل طواعية عن السلطة في جوبا لصالح حكومة توافقية انتقالية من المتوقع أن تقودها ريبيكا نياندينغ دي ماربيور (المعروفة بماما ريبيكا)، أرملة زعيم "الحركة الشعبية" الراحل جون قرنق، لتصبح بذلك ثاني امرأة تتقلّد منصب رئيس دولة في القارة الأفريقية.

وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد" أن عملية الانتقال السلس للسلطة في جنوب السودان هندسها الرئيس الأوغندي يوري موسفيني بعد أن نجح في إقناع الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت بالتنحي عن السلطة بشكل مؤقت، على أن يعاود الترشح في الانتخابات المبكرة التي ستجري العام المقبل. وستقتصر مهام الحكومة الجديدة على تهيئة المناخ لانتخابات العام 2018 وإحلال السلام وإدارة مصالحات شاملة.

وكان موسفيني قد شرع منذ أشهر في تحركات مكوكية لإنقاذ الوضع في جنوب السودان من خطر الانهيار الكامل ودفع بمبادرة لتوحيد "الحركة الشعبية" كحزب حاكم وإجراء مصالحات مع أقطابها المتنازعة بما فيها "الحركة الشعبية" المسلحة بقيادة رياك مشار. ووجدت مبادرته تحفّظات من قبل مشار ومجموعة المعتقلين العشرة (معارضة سلمية برئاسة باقان أموم). ورفضت الأخيرة نهاية شهر مايو/أيار الماضي التوقيع على اتفاق جديد لإعادة توحيد "الحركة الشعبية"، على الرغم من مشاركتها في عملية التفاوض عليها في كمبالا. ووصفت الخطوة بالتزوير، معتبرة أن أي اتفاق من دون مشار يعني استمرار الحرب.
وسبق أن وقّعت أطراف الحركة الممثلة في الحكومة والمعارضة المسلحة بقيادة مشار ومجموعة المعتقلين العشرة، على اتفاق أروشا لإعادة توحيد الحركة بخطوات تنفيذية بينها وقف الأعمال العدائية وإعلان اعتذار رسمي للشعب الجنوبي عن الحرب الأهلية.

وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن ترشيح ريبيكا قرنق لخلافة سلفاكير لفترة مؤقتة وجد دعماً إقليمياً ودولياً، على الرغم من التحفّظات بشأن تاريخها القديم وارتباط اسمها بقضايا فساد منذ حياة زوجها جون قرنق أيام الحرب الأهلية في السودان وقبل انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة في 2011، وهي اتهامات ظلت تلاحقها حتى إبان توليها مناصب وزارية في حكومة الجنوب.
وذكرت المصادر أن اختيار ريبيكا قرنق جاء باعتبارها شخصية توافقية ورمزية وطنية، وبصفتها أرملة الزعيم الجنوبي جون قرنق، فضلاً عن الاحترام الذي تجده من قبل شريحة واسعة من الجنوبيين ممن يطلقون عليها "ماما ريبيكا". وأكدت المصادر أن خطوات موسفيني بدأت بإعلان المصالحة بين سلفاكير وريبيكا، التي تم اتهامها إلى جانب مجموعة "المعتقلين العشرة" بتدبير المحاولة الانقلابية واعتقالها، ليأتي بعدها توحيد الحركة ومن ثم الوضع الانتقالي والإسراع في إجراء انتخابات مبكرة ليتمكن سلفاكير من الترشح مرة أخرى لتثبيت شرعيته عبرها وإزاحة شبح العقوبات الدولية عنه. وأكدت المصادر أن خطوات موسفيني تنطلق من تأييد دولي وإقليمي، لكنها لفتت إلى أن الخرطوم لا تتحمس لرئاسة ريبيكا قرنق باعتبارها امتداداً لما يُعرف بـ"أولاد قرنق" والذين تكنّ لهم الأولى عداء تاريخياً.


في موازاة ذلك، زادت وتيرة زيارات مسؤولين من الأمم المتحدة فضلاً عن مسؤولين أميركيين الى العاصمة الجنوبية جوبا، في محاولة للضغط على سلفاكير لإحياء عملية السلام وإقناعه بالتنحي عن الحكم، بعد أن نجحت في تقييد مشار في منفاه الإجباري في جنوب أفريقيا.
وأكدت مصادر حكومية أن المجتمع الدولي والإقليمي مارس ضغوطاً قوية على سلفاكير للمضي قدماً في تنفيذ مبادرة "إيغاد" لإحياء اتفاقية السلام وإنهاء الحرب في الجنوب عبر التلويح بسيف العقوبات والمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن بعض الحوافز، ومنح سلفاكير ضمانات بالترشح مرة أخرى في انتخابات مبكرة.

وأنهى رئيس لجنة مبادرة إحياء السلام في جنوب السودان التابعة لـ"إيغاد" إسماعيل وايس زيارة إلى جوبا أخيراً، التقى خلالها مسؤولين في الحكومة. وأكدت "إيغاد" في بيان لها الأحد أن لقاءات وايس تطرقت إلى مبادرة إحياء السلام، والتي تهدف إلى جمع طرفي النزاع وأصحاب المصلحة لوضع جدولة جديدة بشأن تنفيذ اتفاقية السلام التي وُقّعت في أغسطس/آب 2015 بين الأطراف الجنوبية قبل أن تنقلب عليها الأطراف قبل ما يزيد عن العام.

يُذكر أن دولة جنوب السودان شهدت في ديسمبر/كانون الأول 2013 اندلاع الحرب الأهلية فيها عقب اتهامات وجّهها سلفاكير ميارديت لنائبه الأول وقتها رياك مشار ومجموعة من قيادات "الحركة الشعبية" التاريخية بينهم الأمين العام السابق باقان أموم ووزراء في حكومته، بتدبير محاولة انقلابية ضده. وخلّفت الحرب الجنوبية-الجنوبية ما يزيد عن عشرة آلاف قتيل، فضلاً عن تشريد 2.5 مليون شخص، إلى جانب أوضاع إنسانية كارثية قادت لظهور حالات مجاعة في عدد من الولايات الجنوبية.