غضب كردي من البارزاني: جلب الكوارث ودمر امتيازات 3 عقود

30 أكتوبر 2017
الأكراد يحملون البارزاني مسؤولية خسارة مكاسب الإقليم(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أشد الأكراد تشاؤماً يتوقع أن ينهار حلم تحويل إقليم كردستان العراق إلى دولة بين ليلة وضحاها، بسبب أخطاء رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، الذي قرر المضي باستفتاء الانفصال عن العراق، الذي جرى في الخامس والعشرين من الشهر الماضي منفرداً، ما أثار ردود فعل محلية وإقليمية ودولية رافضة، أرغمته على اتخاذ قرار ترك السلطة المفترض أن يتم مطلع الشهر المقبل.

ويواجه أكراد العراق، الذين أمضوا نحو ثلاثة عقود من الحكم الذاتي، اليوم، أخطاراً داخلية تمثلت بالصراعات والانقسامات وحرق مقرات الأحزاب، وأخرى خارجية ضاغطة باتجاه منع إقامة دولة كردية حتى وإن كان من خلال الحرب.

وحصل الإقليم الكردي على الإدارة الذاتية عام 1990، إثر حرب الخليج الأولى، منحته حرية كاملة في الملفات الأمنية والسياسية والتجارية وحتى تلك المتعلقة بعلاقاته مع العالم الخارجي بمعزل عن بغداد، ومن ثم منحه ربع موازنة الدولة الاتحادية وتخصيص مناصب قيادية لهم بالدولة الحديثة، من أبرزها رئاسة الجمهورية، ورئاسة أركان الجيش، ووزارتان سياديتان ببغداد، عدا عن حرية التصرف بالمنافذ البرية والجوية واستقلال الجهاز القضائي لدى الإقليم.

من هذه الامتيازات أيضاً استحداث وزارة داخلية خاصة بالإقليم بعد عام 2003، فضلاً عن تصديره النفط والغاز، إلى جانب إدارة حقول النفط الشمالية والتعاقد مع الشركات الأجنبية. غير أن غالبية هذه المكاسب تلاشت، اليوم، وأخرى في طريقهم إلى فقدانها من بينها استعادة بغداد (12 ألفاً و782 كيلومتراً مربعاً) من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها ضمن ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها، وتشمل 28 مدينة وناحية وقضاء وإدارة ملف النفط والغاز والمنافذ البرية والجوية والتصدير والاستيراد، عدا عن إقالة عدد غير قليل من المسؤولين الأكراد وقطع مرتبات موظفي الإقليم وقوات "البشمركة" وجعل التعاملات الخارجية للإقليم مشروطة ببغداد للموافقة عليها قبل مرورها إلى أربيل.

خلال أسبوعين فقط خسر الأكراد الكثير من الامتيازات التي كانوا قد حصلوا عليها خلال الثمانية والعشرين عاماً الماضية بعد خطوة استفتاء الانفصال، التي استغلتها بغداد للحصول على دعم دولي وإقليمي لاتخاذ خطوات، اعتبرت بمثابة "خنق للإقليم وإنهاء حالة المركزية"، التي يعيشها بمعزل عن الحكومة العراقية، إلا أن الأهم هو عودة شبح الحرب الأهلية والتناحر بين الأحزاب الكردية.

ويوم أمس، تبادلت الأحزاب الكردية لغة التخوين والتهديد، عندما هاجم أنصار رئيس الإقليم المستقيل، مسعود البارزاني، مكاتب أحزاب التغيير والاتحاد وحركات أخرى معارضة وأضرموا النار فيها بشكل دعا تلك الأحزاب إلى توجيه نداء للحكومة ببغداد في التدخل لحمايتها.

وفي هذا الصدّد، قال عضو البرلمان العراقي عن الجماعة الإسلامية الكردية، أحمد حمة رشيد، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، جلب الكوارث للأكراد،
موضحا أن "الأخير تسبب بخسارة الإقليم مكتسبات كثيرة حصل على بعضها بالدم".

واعتبر رشيد أنّ تقديم البارزاني استقالته يمثل مناورة سياسية تهدف إلى تحويل العار الذي لحق بمدة حكمه إلى انتصار سياسي، محملاً إياه مسؤولية ضياع المكاسب الكردية، وسقوط خسائر بشرية.

من جهتها، قالت رئيسة كتلة "حركة التغيير" الكردية في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، في بيان، إنّ الانتكاسة التي يتعرض لها الشعب الكردي لا مثيل لها في التاريخ، معتبرةً أنّ البارزاني أوقع الأكراد في هذا المأزق من أجل الاستمرار في منصبه.

وحمّلت عبد الواحد القوات الأمنية التابعة للعائلة الحاكمة في إقليم كردستان (عائلة البارزاني) مسؤولية الفوضى الأمنية في الإقليم، مطالبةً الرأي العام في العراق والعالم بالوقوف بوجه الطغاة.

بدوره، انتقد السياسي الكردي، محمد عثمان، في حديث مع "العربي الجديد"، السياسات التي وصفها بـ"الخاطئة لرئيس إقليم كردستان التي تسببت بانهيار حلم الدولة الكردية"، مبيناً أنّ المكاسب السياسية التي حققها الأكراد على مدى عقود انهارت في أيام نتيجة للقرارات غير المحسوبة للبارزاني.

وأوضح عثمان أن "إقليم كردستان خسر وضعه السياسي القوي في الداخل والخارج بعدما تخلى الجميع عن دعمه، حتى حلفاؤه الدائمون من الأميركيين والأوربيين"، مشيراً إلى تعرض الإقليم إلى انتكاسة أمنية غير مسبوقة حين عجزت القوات الكردية عن الوقوف بوجه الجيش العراقي، الذي اجتاح كركوك التي تعتبر "قدس الأكراد"، كما يسميها الرئيس العراقي (الكردي) الراحل جلال الطالباني.

وتابع: "لا يمكن أن ننسى الوضع الاقتصادي الحرج في الإقليم بسبب الحصار الذي فرض عليه بعد الاستفتاء"، مرجحاً "حدوث مزيد من التراجع لمكاسب الكرد في المستقبل، يقابل ذلك صعود لمنافسي الأكراد في المناطق المتنازع عليها كالعرب والتركمان".

في السياق ذاته، أكّد عضو البرلمان العراقي عن المكون التركماني، جاسم محمد جعفر، في بيان، وجود تأييد عراقي وإقليمي ودولي لتحويل كركوك الى محافظة تركمانية، مطالباً بأن يكون منصب محافظ كركوك للتركمان، ونائبه للعرب، ورئاسة مجلس المحافظة للأكراد.

ولفت إلى أنّ "الهيئة التنسيقية العليا لتركمان العراق عقدت، أمس الأحد، اجتماعاً في العاصمة التركية أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان"، موضحاً أنّ المجتمعين ناقشوا مستقبل التركمان ومشاركتهم في الأمور الاستراتيجية خلال السنوات الخمس المقبلة.

وبين أنّ "التركمان لمسوا تأييداً عراقياً وتركياً وإيرانياً وأممياً لمستقبلهم السياسي في كركوك وجعلها تركمانية"، لافتاً إلى "وجود تأييد لتحويل مدينتي طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، وتلعفر بمحافظة نينوى إلى محافظتين".



وعقب إصرار رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، على إجراء استفتاء الانفصال الشهر الماضي، قررت الحكومة العراقية إرسال قواتها منتصف الشهر الحالي للسيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها، التي كانت خاضعة للسيطرة الكردية، كما استعادت بغداد حقول النفط الحيوية (شمال العراق) وأغلقت منافذ ومطارات إقليم كردستان.

وأوضح الخبير بالشأن الكردي العراقي، عثمان هورامي، لـ"العربي الجديد"، أن "القيادة الكردية فقدت مكتسبات كثيرة وبغداد حصلت على منافع مهمة في أسبوعين فقط، لم تكن تستطيع التحرك لاستردادها لولا الاستفتاء حيث حصلت على دعم دولي ضد الكرد، الذين كانوا أكثر طرف يثق فيه الغرب بالعراق".

وتابع "يمكن اعتبار الاستفتاء الخطوة التي دمرت أحلام التمتع بامتيازات دولة مستقلة داخل دولة، وهكذا فعلاً كان الإقليم عبارة عن دولة مستقلة بكل شيء داخل الدولة العراقية، لكن الآن ومع حصار بغداد الجوي والبري والعقوبات لا أعتقد أنه سيعود كل شيء إلى ما قبل الاستفتاء، بل إن بغداد ستدير ملفات كثيرة تجعلنا تحت رحمتها".

المساهمون