خطورة وتبعات وجود إسرائيل في لجنة "إنهاء الاستعمار"

02 يوليو 2014
تباشر اللجنة أعمالها في سبتمبر/أيلول المقبل (جاك جيوز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

قبل أقل من أسبوعين فُرض مرشح دولة الاحتلال الإسرائيلية، موردخاي أميهاي، ليكون واحداً من ثلاثة نواب لرئيس لجنة "المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار"، في الأمم المتحدة، ومن المقرر أن تباشر اللجنة الجديدة أعمالها لمدة سنة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.

وفُرض المرشح الإسرائيلي من "المجموعة الإقليمية لغرب أوروبا ودول أخرى"، على بقية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، على خلفية رفض المجموعة المعنية تقديم مرشح آخر للمنصب، بناءً على طلب المندوب الدائم لقطر لدى الأمم المتحدة، لياء أحمد بن سيف آل ثاني.

وفي العادة يتم اختيار المرشحين لمناصب في اللجان الست الرئيسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتزكية، بعد ترشيحهم من إحدى مجموعاتهم الإقليمية. وقد انتخب المرشح الإسرائيلي بـ74 صوتاً، من أصوات 159 دولة حاضرة، من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، أي بنسبة 38 في المئة.

ولوحظ غياب أكثر من 30 دولة عن الاجتماع، كما كان التصويت الذي طالب به العرب، سرياً. واحتُسبت الأصوات التي لم تؤيد ترشيح أميهاي كـ"ممتنعة".

وحاولت جهات دبلوماسية عدة في حديث الى "العربي الجديد"، التخفيف، من أهمية تقلّد ممثل إسرائيل لمنصب نائب رئيس لجنة "إنهاء الاستعمار"، بتأكيدها أن المنصب "رمزي فقط"، وأن قرارات اللجنة وتوصياتها تؤخذ بالاجماع من جميع الدول الأعضاء.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام الكلام الذي يروج بأن المنصب "رمزي فقط"، هو لماذا تكلف إسرائيل والدول الداعمة لها نفسها، عناء الترشح لهذا المنصب دون غيره من بين كل المناصب في اللجان المختلفة؟



لعل أحد الأجوبة عن السؤال يتمثل في تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة لمهمات هذه اللجنة: تتناول لجنة المسائل الخاصة وإنهاء الاستعمار مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تشمل إنهاء الاستعمار، واللاجئين الفلسطينيين وحقوق الإنسان، وحفظ السلام، ومكافحة الألغام، والفضاء الخارجي، والإعلام الجماهيري والإشعاع الذري وجامعة السلام.

وبالنظر إلى المجالات التي تغطيها اللجنة والملفات الحساسة عربياً وفلسطينياً، يتضح أن المنصب ليس خطيراً على المستوى الرمزي فحسب، بل على المستوى الفعلي، حتى ولو أن قرارات اللجنة يتم اتخاذها في نهاية الأمر بتصويت كل الأعضاء، وأن صلاحيات نائب الرئيس محدودة.

ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، عن الدور الذي يمكن أن يلعبه ممثل إسرائيل، كأحد نواب رئيس اللجنة، أكد مصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة، رفض الكشف عن اسمه، "لا أعتقد أن ممثل إسرائيل يمكنه أن يؤثر وبصورة جذرية في عمله كنائب داخل هذه اللجنة، ولكن ربما يقوم ببعض المشاكسات المتعلقة بجدول الأعمال ومواعيده فيما يخص نقاش مواضيع عن فلسطين، لكنه لن يكون لذلك تأثير".

وفي البحث عن طريقة عمل اللجنة، يتبين أنها تقوم كغيرها من اللجان الخمس الأخرى الرئيسية في الأمم التحدة، باعتماد برنامج العمل الذي يقترحه الرئيس، وتبين تواريخ، ومواعيد، وعدد الجلسات التي ستخصص لكل من المواضيع المقترحة.

وبالنظر إلى جدول أعمال اللجنة في السنوات السابقة والتقارير التي قدمت لها أو عدد الجلسات التي خصصت لمواضيع معينة للنقاش، يظهر أن لجنة "إنهاء الاستعمار" خصصت على جدول أعمال دورتها الجارية، خمس جلسات على الأقل متعلقة بفلسطين.

فقد خصصت جلستين لنقاش تقرير "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (أونروا)، وثلاث جلسات لتقرير اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي "تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة".

وتعاملت اللجنة في الدورة الحالية مع تقرير عن "ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها"، وتقرير "عن الجولان السوري المحتل"، وتقرير آخر عن "انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية والأراضي العربية الأخرى".

وتتعلق تلك التقارير بقرارات سابقة قامت الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذها، وعلى الجمعية العامة بلجانها وفروعها ومؤسساتها المختلفة التأكد من مدى تطبيق هذه القرارات أو عدم تطبيقها.

وفي حال اقتصر النظر الى عمل اللجنة على الجانب المعنوي والرمزي، فإن رمزية تولي إسرائيل المنصب خطيرة، إذ لا تكتفي إسرائيل بمحاربة وملاحقة الفلسطينيين في ديارهم جسدياً، بل تحاول بشتى الطرق أن تحتل الحيز العام والإعلامي في الدول الغربية وحتى العربية، لكي يتم التعامل معها على أنها "كيان طبيعي" وليس كياناً "استعمارياً"، من خلال تطبيع وجودها بشتى الطرق، ومن بينها تولي منصب أحد نواب لجنة "إنهاء الاستعمار".

لم يكن استعمار فلسطين، من المنظمات الصهيونية، استعماراً للأرض الفلسطينية وحسب، بل إن جزءاً كبيراً منه صبّ في محاربة الذاكرة الجماعية والفردية للفلسطينيين والعرب، بغية السيطرة عليها وعلى روايتها.

وليس صدفة أن تستولي المنظمات الصهيونية على الممتلكات الخاصة والعامة عند احتلال فلسطين عام 1948، من كتب، وأفلام، وصور وتغيير أسماء الأماكن، وحتى الزي الفلسطيني الشعبي، والطعام وغيرها، وقد فعلت الأمر ذاته عند احتلالها بيروت 1982 عندما قامت بالاستيلاء على جزء من أرشيف المنظمة الثقافية وحرق البقية.