حملة اعتقالات جديدة في مصر تفضح هشاشة الترويج للانفتاح

14 أكتوبر 2019
تجددت الاعتقالات أخيراً ضد المتظاهرين(فرانس برس)
+ الخط -

عادت السلطات المصرية لسياسة البطش المعتادة، التي اتخذت مساراً تصعيدياً منذ منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وهدأت خلال الأسبوع الماضي، الذي شهد إخلاء سبيل نحو 400 شخص ممّن اعتُقلوا في الحراك الشعبي الأخير ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدما أمضوا 15 يوماً في سجن احتياطي، لكنها عادت لاعتقال الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح الممنوعة من السفر على ذمة قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن مراسل وكالة "أسوشييتد برس" في القاهرة، مصطفى الخطيب، وعضو حزب "العيش والحرية" اليساري، عبد الله السعيد في ساعة متأخرة من مساء السبت. وكشفت مصادر سياسية معارضة لـ"العربي الجديد" عن استدعاء عدد من النشطاء اليساريين في المحافظات إلى مقارّ الأمن الوطني، منذ صباح السبت، للتحقيق معهم بشأن آرائهم المنشورة على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأحداث الأخيرة، وأن بعض هؤلاء النشطاء لم يخرجوا حتى الآن من مقارّ الأمن الوطني. وتخشى أُسَرهم الإفصاح عن تلك المستجدات خوفاً من إحالتهم على النيابة العامة واستحداث قضايا لهم.

وأوضح مصدر أمني في الأمن العام أن المعتقلين في اليومين الماضيين لا تربطهم قضية واحدة، بل هم مطلوبون بقضايا عدة، وأن التعامل معهم سيكون بشكل مختلف عن المتهمين في القضية 1338 لسنة 2019 الخاصة بالتظاهر في 20 سبتمبر الماضي والتحريض عليه ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، التي صدرت تعليمات من دائرة السيسي للنيابة العامة بشأنها بإخلاء سبيل معظم المعتقلين الذين تبين من تقارير الأمن الوطني عدم وجود أي انتماءات سياسية لهم. في المقابل، سيُجدَّد حبس مَن لهم ملفات أمنية، أو مَن تبيّن من خلال التحقيقات ضلوعهم في "الترويج المنظم" لدعوة التظاهر، التي أطلقها المقاول، الممثل محمد علي. وارتباطاً بذلك أيضاً، صدرت تعليمات من وزير الداخلية محمود توفيق بالإفراج عن جميع معتقلي التظاهر الذين ألقي القبض عليهم خلال الأسبوع الماضي، بما أنهم لم يُحالوا حتى نهاية الشهر الماضي على النيابة العامة، وعددهم يقدّر بـ"العشرات" من جميع المحافظات. وكان هؤلاء مسجونين في معسكرات الأمن المركزي بالقاهرة وأقسام شرطة بالإسكندرية والسويس ودمياط والمنصورة والمحلة وقنا وأسيوط.

وأضاف المصدر الأمني أن "الأمن الوطني" يتابع من كثب، وبقلق، تحركات بعض الشخصيات السياسية والحقوقية المعارضة، وأصدر تعليماته للصحف الموالية للنظام بشنّ هجوم عليهم لدفعهم إلى وقف بعض كتاباتهم التي يراها الجهاز تحريضية "ضمنياً وبصورة غير واضحة" ومثيرة للرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الاعتقالات الأخيرة هي على الأرجح "رسالة ضغط أو تحذير لهؤلاء".



وتأتي حملة الاعتقالات الجديدة بعد ساعات من مطالبة الإعلامي الموالي للسلطة عمرو أديب، مساء الجمعة الماضية، عبر برنامجه المذاع على قناة "أم بي سي مصر" السعودية، بالإفراج عن المعتقلين من غير "الإخوان المسلمين"، مثل خالد داود وحسن نافعة وحازم حسني وحازم غنيم وغيرهم ممن أُلقي القبض عليهم أخيراً بالتزامن مع الحراك الشعبي الأخير. وقدّم خطاباً مصطنعاً عن ضرورة احتواء الدولة للمعارضة، تخالف بشكل كامل ما كان يروج له في الماضي، وتتسق بصورة كبيرة مع محاولات دائرة السيسي المتحكمة بالإعلام والبرلمان للتنفيس عن الاحتقان الشعبي، والسماح بنشر بعض المقالات التي تتضمن مطالبات بالعفو عن المعتقلين والإفراج عن غير "الإخوان"، وكذلك توجه سهام النقد بحدة إلى الحكومة.

وتشكك المصادر السياسية المعارضة بصدقية الترويج لهذا السلوك الانفتاحي من السلطة، نظراً لاستمرار شنّ حملات الاعتقالات بين الحين والآخر، واستمرار التضييق على المجال العام وعدم السماح بنشر مواضيع صحافية انتقادية أو مقالات معارضة حادة واستمرار منع ظهور شخصيات بعينها في وسائل الإعلام ومن الكتابة، فضلاً عن عدم أخذ أي خطوة مبادرة بشأن الشخصيات السياسية من المعتقلين في السجون منذ فترة طويلة على خلفيات سياسية بحتة كرئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص. وقبل كل ذلك، عدم اتخاذ خطوة الانفتاح هذه في الفترة التي كان يمكن السيسي تحقيق ذلك بسهولة ومن دون كلفة تذكر قبل أو عقب التعديلات الدستورية في إبريل/ نيسان الماضي.

وترجّح المصادر، من حصيلة تواصلها مع عدد من الإعلاميين المقربين من النظام في الأسبوعين الماضيين، أن دائرة السيسي ترغب حالياً في مغازلة الرأي العام والإعلاميين والأكاديميين فقط، مع تعمّد إيصال رسائل متناقضة لهم، لتشعر النخبة السياسية دائماً بالقلق من اجتياز خطوط حمراء، غير معروفة أو معلنة، في ظل توجه الدائرة، وبصفة خاصة نجل السيسي ضابط المخابرات محمود، إلى رفض اتخاذ أي خطوة للخلف أو إبداء أي مرونة تجاه القوى المعارضة.

وكانت مصادر حكومية وبرلمانية قد كشفت الأسبوع الماضي لـ"العربي الجديد" أن السيسي الابن يعارض "الإجراءات الاستعراضية التي تتخذ في البرلمان والإعلام لادعاء أن هناك حالة من الانفتاح السياسي، وكذلك السماح بنشر بعض المقالات المعارضة لسياسات السيسي في الصحف خلال الأسبوع الأخير". وهي الإجراءات التي اتخذت بناءً على تعليمات واضحة من مدير المخابرات عباس كامل وفريقه، المسؤول عن الرقابة على الصحف بشكل أساسي، وتسيير الأغلبية البرلمانية والنواب المشاهير الذين يستخدمون للتأثير في الرأي العام، كمصطفى بكري ومرتضى منصور.

وذكرت المصادر أن السيسي الابن عقد اجتماعاً الشهر الماضي مع عدد من المسؤولين الإعلاميين، وطالبهم ببذل مزيد من الجهد في الترويج لسلامة النظام وكفاءته "من دون إظهار أي إشارة إلى التراجع". وعلى النقيض، أصدر عباس كامل تعليماته لمساعديه المتحكمين بتسيير البرلمان والإعلام، بضرورة أخذ زمام المبادرة في توجيه سهام النقد (المدار) إلى النظام ممثلاً بالحكومة، متبعاً بذلك، للمرة الأولى، الاستراتيجية القديمة التي كان يتبعها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك مع الأزمات الشعبية المتوالية، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة من عهده، ليبدو رئيس الجمهورية وكأنه الملاذ الأخير للمواطن، وأنه يعمل على تخفيف وطأة قرارات الحكومة، وكأنه منعزل عنها وعن سياساتها.