هل تصل الجهود الدولية لحل في ليبيا وسط الإصرار الإماراتي على الفوضى؟

03 فبراير 2020
تشهد ساحات القتال اشتباكات متقطعة في ظل هدنة هشة(الأناضول)
+ الخط -
مسارات متقاطعة وأخرى متضاربة تبحث عن الحلّ في ليبيا، وعلى الرغم من وصول بعضها إلى مرحلة الترتيبات الأخيرة لعقد لقاءات واجتماعات بين الأطراف الليبية، إلا أنّها جميعا لم تصل لمرحلة التطبيق، في الوقت الذي لا تزال فيه ساحات القتال تشهد اشتباكات متقطعة في ظل هدنة هشة، تطمح الأمم المتحدة إلى تحويلها "لوقف دائم للقتال"، بحسب المبعوث الأممي غسان سلامة.
وأعلنت عملية "بركان الغضب"، عبر صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، عن سقوط ثلاثة صواريخ "غراد" على منطقة أبوسليم، أكثر أحياء طرابلس اكتظاظاً بالسكان، ليل أمس الأحد، من دون أن تسفر عن خسائر بشرية، تزامناً مع استهداف مدفعيتها لمواقع تابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منطقة الوشكة، غرب سرت، ما تسبب في مقتل العشرات من مسلحي هذه القوات، من بينهم قيادي بارز، كما أعلنت.



وفي آخر مستجدات الأوضاع الدولية المتصلة بالشأن الليبي، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في تصريح لإذاعة "ZDF" الألمانية، إنه تقرر عقد اجتماع جديد في منتصف شهر مارس/آذار المقبل، لوزراء خارجية الدول المعنية بالملف الليبي، لإيجاد تسوية سياسية تُنهي الصراع الدائر منذ سنوات، من دون تفاصيل أخرى.
وفي مقابل تراجع واضح للصوت المصري بشأن مستجدات ليبيا، يبدو أنّ دول الاتحاد المغربي، التي تقع على الضفة الأخرى من ليبيا، قد وحّدت كلمتها، فبعد تأكيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لنظيره بحكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة، أنّ بلاده "لا تعترف إلا بحكومة الوفاق الشرعية"، واصفاً التدخل الخارجي في ليبيا بـ"الوقح"، بحسب مكتب الإعلام التابع لوزارة خارجية حكومة "الوفاق"، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مؤتمر صحافي جمعه بنظيره التونسي قيس سعيد، أمس الأحد، إنهما اتفقا على عقد "لقاءات مع كافة الأطراف والقبائل الليبية، إما في تونس أو في الجزائر"، مؤكداً أن "بداية الحل" ستكون من تونس والجزائر، داعياً إلى "إبعاد كل ما هو أجنبي عن ليبيا".
وفي الأثناء، وبعد تزايد الحديث عن تورط الإمارات في نقل آلاف الأطنان من الأسلحة لمعسكرات حفتر، قالت وكالة الأنباء الإماراتية، أمس الأحد، إنّ ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تلقى اتصالاً هاتفياً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، استعرضا خلاله المستجدات في ليبيا على ضوء نتائج مؤتمر برلين، ونقلت حرص بن زايد "على مواصلة التعاون مع المجتمع الدولي لترسيخ أسس الأمن والاستقرار والسلام لشعوب المنطقة والعالم"، لكن ذلك لا يعكس سياسات الإمارات الحقيقية في المنطقة، فقد عاد موقع "إنتليجنس أونلاين" الفرنسي الاستخباراتي، ليكشف عن تورط إماراتي جديد في تمويل صفقة شراء ستّ طائرات صينية من طراز "سي إتش – 4" من سلاح الجو الملكي الأردني.
وكلّ ذلك لا يصب في إطار تحقيق حفتر لوعده الذي أعلنت عنه البعثة الأممية إثر انتهاء لقاء رئيسها غسان سلامة مع حفتر، السبت الماضي، بالخضوع لنتائج قمة برلين المعلنة في 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، وهو ما يراه أيضاً الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، الذي قال إنّ "الإعلان من جانب البعثة جاء مقتضباً جداً، فيما لم تتحدث قيادة حفتر كعادتها عن التفاصيل، بل لم تذكر أنّ حفتر التقى سلامة أصلاً".
وكانت البعثة قد نشرت بياناً مقتضباً، مساء السبت، قالت فيه إن حفتر أكد مشاركته "في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 المزمع عقدها قريباً في جنيف"، مشيرة إلى أن لقاء سلامة بحفتر "تطرق أيضاً إلى المسارين السياسي والاقتصادي"، من دون تفاصيل أخرى.


ويتابع الأطرش قراءته للمستجدات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّ "الإمارات ودولاً عربية أخرى، خفت صوتها أخيراً على خلاف، ولم تتفق، حتى الآن، على ترجيح قرار عودة حفتر للقتال، وهو ما يفسّر وعداً شفهياً من قبل حفتر لسلامة بخضوعه لترتيبات جنيف"، لكنه أكد في الوقت ذاته أنّ "الإمارات التي لم تتوقف عن نقل الأسلحة لمعسكرات حفتر، ولا يبدو أنها ستنتظر كثيراً، وأنها راغبة بشدة في عودة القتال".

وأصبح ميدان القتال يرتبط بأهداف عدة، ولا ينحصر بسيطرة حفتر على البلاد عسكرياً فحسب، بل أيضاً بإفشال مشاريع إقليمية أخرى، من بينها التحالف التركي مع حكومة "الوفاق"، والمرتبط بأهداف استراتيجية تركية في البحر المتوسط، كما أنّ توحد الموقف المغاربي ضد التدخلات الخارجية، ومن بينها التدخل الإماراتي، سيعجل في إشعال محاور القتال مجدداً وتوسيع رقعتها، وسيفشل أي محاولة دولية أو إقليمية للحلّ.
وفي الوقت الذي عقد فيه المجلس الأعلى للدولة في طرابلس اجتماعاً موسعاً مع الوفد الذي سيمثله في حوار جنيف لمناقشة "الثوابت والشروط التي سيبنى عليها الحوار مع ممثلي مجلس النواب"، مساء أمس الأحد، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس، لا يزال مجلس النواب يعيش حالة انقسام وتشظٍ كبيرة، ففيما لم يُعلن المجلس المجتمع في طبرق عن انتخابه لممثليه في حوار جنيف، ووصف أحد أعضائه، وهو محمد العباني، على صفحته الشخصية، الحوار بأنه "تدوير للنفايات السياسية"، مشدداً على ضرورة رفض النواب المجتمعين بطبرق المشاركة فيه؛ ولا يزال عدد من النواب المجتمعين في طرابلس يجرون لقاءات مكثفة مع مسؤولين بارزين في واشنطن، بهدف توضيح رؤيتهم من "عدوان حفتر على العاصمة"، و"المشاركة في حوار جنيف وشروط نجاحه".
ويرجح الباحث الليبي في الشؤون السياسية بلقاسم كشادة، أنّ استمرار الخلافات المحلية المتصلة بأطراف خارجية هو الذي حدا بألمانيا إلى العمل على عقد لقاء جديد على مستوى وزراء الدول التي شاركت في قمة 19 يناير/ كانون الثاني، لـ"مناقشتها في موافقها التي لم تلتزم فيها بمخرجات القمة"، معتبراً أنّ "اتصال ميركل ببن زايد يعني بوضوح درايتها، والمجتمع الدولي أيضاً، بأنّ الإمارات هي عامل الفوضى، وساعي الإفشال الأول لحلّ الأزمة الليبية".
ولا يعتقد كشادة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن لقاء الوزراء المرتقب في برلين سيأتي بجديد، مؤكداً أنّ بعثرة الجهود بتقسيم الحلّ في ست سلال، بحسب الخطة الأممية، ثم اختصارها في ثلاث مسارات في برلين، قبل أن تتوزع هذه المسارات بين جنيف للحوارين السياسي والعسكري، والقاهرة للحوار الاقتصادي، يعني "وجود أيدٍ خفية سعت لتشتيت جهود برلين مبكراً، ولا يمكن العودة للوراء، خصوصاً بعد فشل مجلس الأمن، الخميس الماضي، في إصدار قرار بناء على مخرجات برلين".

وفي الأثناء، كشفت حكومة "الوفاق" عن وصول وفد أميركي إلى طرابلس، لمناقشة "سبل إصلاح وتطوير المؤسستين العسكرية والأمنية في ليبيا" مع وزراتي الداخلية والدفاع، من دون أن يشير الجانب الأميركي إلى علاقة مساعيه بمخرجات برلين. وهنا يؤكد كشادة أنّ واشنطن تسير في خط مستقل، بناء على رؤية خاصة بها لم تُعلن عنها. وقال: "ما يدل على ذلك أنّ الكونغرس يستعدّ، نهاية الشهر المقبل، لإقرار قانون أميركي خاص باستقرار ليبيا"، لافتاً إلى أنّ "تفاصيله المسرّبة حتى الآن لا تتقاطع مع مخرجات برلين، ولا المبادرات الدولية الأخرى، ما يعني مساراً أميركياً آخر".
ويخلص كشادة إلى أن تلك المسارات والمبادرات لا تزال رؤاها بعيدة عن الواقع الذي "لا يزال السلاح هو الذي يملك الكلمة فيه، والأطراف ذاتها لم تتغير، سواء الداخلية أو الخارجية لدعم الجانبين، وكل منها يهدف من خلال دعمه لأي من الطرفين لأهداف تتجاوز حل الأزمة الليبية".
ويرجح كشادة، بناءً على قراءته للمعطيات الحالية، إمكانية انزلاق الساحة لمواجهات عسكرية جديدة، "هي التي سترسم ملامح المرحلة المقبلة، كونها على مشارف الفصل الأخير من الحرب الليبية على تخوم طرابلس ومصراته"، كما يقول.