حفتر يُشعل محاور القتال في ليبيا وسط صمت دولي ومواقف أممية باهتة

26 يناير 2020
حفتر وحلفاؤه يلتفّون على مسارات الحل السياسي(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
عادت قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إلى قصف الأحياء المدنية، وسط اشتعال جديد للمحاور في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، في ظل دعوة تركيا المجتمع الدولي إلى "تدخل سريع" لوقف القتال دون استجابة، باستثناء مناشدة أممية باهتة التفّت على الواقع بالدعوة إلى "وقف تدفق السلاح".

وقتل مدني وأصيب ثمانية آخرون في قصف عشوائي ليلة أمس السبت على عدة أحياء مدنية في طرابلس.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة فوزي أونيس، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إن القصف طاول أحياء شرفة الملاحة وعرادة والقاسي، موضحاً أن "القتيل مدني مغربي"، فيما تفاوتت إصابات المدنيين الآخرين.

وأعلنت عدة بلديات في العاصمة طرابلس العودة إلى وقف الدراسة وتسريح الطلاب "إلى إشعار آخر"، خوفاً على سلامتهم، تزامناً مع إعلان إدارة الملاحة الجوية في مطار امعيتيقة غلق أجوائه ونقل جميع رحلاته إلى مطار مصراتة، شرق طرابلس، بعد تجدد استهدافه ليلة السبت، فيما قال أونيس إن المستشفيات رفعت استعدادها إلى أعلى مستوى لمواجهة أي مستجدات ينتجها القصف العشوائي المستمر.

من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، أن حفتر "خرق الهدنة ولم يعد من المنطقي تبرير محاولاته المتكررة من قبل المجتمع الدولي".

وفي وقت أكد فيه المدني لـ"العربي الجديد" أن "القصف العشوائي ليلة مساء أمس على الأحياء المدنية كان مركزاً ومقصوداً"، أشار إلى أن قوات الحكومة استهدفت بواسطة المدفعية تمركزات لقوات حفتر جنوب شرق طرابلس. 

وأوضح أن "المدفعية استهدفت تحركات لمليشيات حفتر في منطقة القويعة والرواجح"، مضيفاً: "لاحقاً استهدفنا تحركات في منطقة صلاح الدين"، مؤكداً أن "تلك التحركات من قبل قوات حفتر تجري استعداداً لخرق كامل للهدنة، وسط محاولات للتسلل إلى مناطق جديدة داخل طرابلس".

البعثة الأممية: السلاح لا يزال يتدفق

ودون أن تشير إلى التصعيد العسكري من جانب قوات حفتر، اعتبرت البعثة الأممية إلى ليبيا أن الهدنة المعلنة منذ 12 من الشهر الجاري "أفضت إلى انخفاض ملحوظ في الأعمال القتالية في طرابلس"، رغم اعترافها بأنها "هدنة هشة مهددة الآن بسبب استمرار نقل المقاتلين الأجانب والأسلحة والذخيرة والمنظومات المتقدمة إلى الأطراف من قبل الدول الأعضاء، من بينها بعض الدول المشاركة في مؤتمر برلين".

وعبّرت البعثة، في بيان لها ليلة أمس السبت نشره موقع البعثة الرسمي، إثر تساقط عشرات القذائف العشوائية على الأحياء المدينة في طرابلس، عن "أسفها الشديد وإدانتها للانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح في ليبيا، حتى بعد الالتزامات التي تعهدت بها البلدان المعنية في هذا الصدد"، في إشارة إلى البلدان التي شاركت في مؤتمر برلين المنعقدة في 19 من الشهر الجاري.

وأشارت البعثة الأممية إلى أنه خلال الأيام العشرة الماضية "شوهدت العديد من طائرات الشحن والرحلات الجوية الأخرى تهبط في المطارات الليبية في الأجزاء الغربية والشرقية من البلاد لتزويد الأطراف بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين"، وعبرت عن إدانتها لهذه "الانتهاكات المستمرة التي تهدد بإغراق البلاد في جولة متجددة ومكثفة من القتال".

ولقاء تشديد البعثة في بيانها على "ضرورة وفاء الدول الدول المعنية بالتزاماتها واحترام حظر التسليح في ليبيا الذي يفرضه قرار مجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011، والقرارات اللاحقة، احتراماً تاماً، وتنفيذه بشكلٍ لا لبس فيه"، دعا عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن الشاطر، إلى وقف التعاطي مع المسار السياسي حتى التأكد من "الوقف النهائي للقتال والتأكد من رغبة قادة العدوان الأكيدة في وقف الاعتداء".

وقال الشاطر لـ"العربي الجديد" إنّ "من الضروري التأكد من سلامة مسار وقف إطلاق النار قبل المضي في الحوار السياسي"، متسائلاً عن "جدوى الحوار مع طرف لا يريد سلاماً"، بحسب تعبيره.

الضغط بالنفط

ويرى الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، أن "معسكر حفتر وحلفائه ذهب إلى أبعد من عرقلة التوصل إلى سلام في ليبيا ووقف القتال"، موكداً أن "مسار وقف تدفق النفط يعني شلّ الحياة نهائياً في ليبيا للضغط على المجتمع الدولي من أجل وقف جهوده لعرقلة مشروع حفتر العسكري في البلاد".

وأكد بيان صدر بعد اجتماع زعامات قبلية موالية لحفتر، مساء أمس السبت في ميناء الزويتينة شرق البلاد، استمرار غلق موانئ وحقول النفط، مشترطاً لإعادة فتحها "إسقاط الاعتراف بحكومة السراج، وتغيير رئيس المصرف المركزي ومدير المؤسسة الوطنية للنفط، وتشكيل حكومة تسيير أعمال، وكذلك التوزيع العادل للثروة"، مشيراً إلى أنها "مطالب ستقدم للبعثة الأممية قريباً".

ويسبب وقف ضخ النفط خسائر يومية تقدَّر بــ77 مليون دولار، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط، ما دفع المؤسسة الليبية للاستثمار إلى التحذير من مغبة استمرار وقف تدفق الصادرات النفطية واضطرار البنك المركزي إلى اللجوء إلى "الاحتياطيات للإنفاق، والحد الأدنى من الاحتياجات، وللمرتبات والدعم فقط"، ما يعني دفع البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي الكامل، بحسب المؤسسة.

وبحسب الحداد في حديثه لــ"العربي الجديد"، فإن هذا التصعيد من حفتر وحلفائه "التفاف على كل المسارات والجهود الدولية"، مؤكداً أن "استخدام ورقة النفط يهدف إلى ممارسة ضغوط على المواقف الدولية التي اتجهت للتوحد في برلين وموسكو ضد حلفاء حفتر الإقليميين، وفي أوروبا"، مشيراً إلى أن حفتر، و"حتى لا تجري محاسبته على مسؤوليته عن قرار غلق النفط، اختفى وراء ما سمّاه الحراك الشعبي".

تركيا تتحرك

ووسط تراجع أوروبي واضح بعد بوادر فشل قمة برلين، عادت أنقره للتحرك مجدداً، بعد زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتركيا، ولقائها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة الماضية، ما اعتبره الحداد "وصول تركيا إلى قناعة أكيدة بفشل الجهد الدولي بعد أن أفسحت له مجالاً، وخصوصاً بعد مشاوراته الأخيرة مع ميركل".

وطالب أردوغان، في مؤتمر صحافي قبيل زيارته للجزائر، بـ"التحرك سريعاً لحل الصراع في ليبيا"، مؤكداً أن حفتر "يحاول باستمرار خرق وقف إطلاق النار"، مؤكداً أن "الملف الليبي سيكون على رأس الملفات المطروحة خلال زيارة الجزائر"، حسب "الأناضول". 

وكانت الجزائر قد استضافت، الخميس الماضي، لقاءً لوزراء خارجية دول الجوار الليبي، امتنعت خلاله حكومة الوفاق عن المشاركة، احتجاجاً على دعوة الجزائر لوزير خارجية حكومة مجلس النواب الموازية في شرق ليبيا، لكن نتائج اللقاء الوزاري لم تتجاوز سقف رفض أي تدخلات خارجية في ليبيا، والدعوة إلى احترام حظر توريد السلاح بموجب القرار الأممي.

وبحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، "لا تزال تركيا تعوّل على دور جزائري، خصوصاً أن سياسة الجزائر تختلف كلياً عن السياسة المصرية، التي تقف بشكل صريح إلى جانب حفتر"، موضحاً أن "قادة الجزائر أكدوا في أكثر من مناسبة رفضهم لمشروع حفتر العسكري، بل أكد بيان سابق للرئاسة الجزائرية أن طرابلس "خط أحمر لا يمكن تجاوزه"".

وذكر البرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "نجاح قادة بعض الدول كفرنسا في شق الصف الأوروبي وإفشال برلين، ما أدى إلى عرقلة صدور قرار دولي يلقي بمسؤولية وقف تصدير النفط على حفتر، بعثر الجهد الدولي في الملف الليبي وأرجعه إلى الخانة الأولى ما قبل برلين".

ورجّح الباحث في العلاقات الدولية أن "الموقف الجزائري لن يخطو خطوات جديدة فاعلة لمصلحة الحراك الذي عادت تركيا لقياداته مجدداً بعد أن استطلعت رأي دول الجوار الليبي خلال الاجتماع الوزاري الخميس الماضي".

العودة للقتال أقرب السيناريوهات

وعن توقعاته لصورة المشهد الليبي في الأفق المنظور، يعتقد البرق أن "اشتعال المحاور مجدداً وانهيار الهدنة كلياً، هو أرجح السيناريوهات"، فـ"التحشيد العسكري الكبير من قبل حفتر والدعم العسكري المتواصل الذي أكده بعض قادة قوات حكومة الوفاق لا يشير إلى شيء إلا إلى عودة القتال".

وأبرز المتحدث ذاته أن بيان البعثة ليلة أمس "يعكس حقيقة ما يجري حالياً"، مشيراً إلى أن "تركيز البيان على الحديث عن نشاط المطارات الليبية في استقبال السلاح والمرتزقة، دون الحديث عن سياقات أخرى تتعلق بالحوار السياسي واللجنة العسكرية الموكل إليها تثبيت وقف اطلاق النار، يعني قناعة الأمم المتحدة بأن تجدد القتال أمر بات حتمياً".

ولفت إلى تقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية الذي كشف عن تمويل السعودية لعمليات مرتزقة "الفاغنر" الروسية في ليبيا لمصلحة حفتر، مؤكداً أن "الأنباء عن تراجع وجود مقاتلي "الفاغنر" لا يعني خلوّ ساحة حفتر من المرتزقة، فهناك ثلاث شركات أمنية روسية تقاتل معه، وإن تراجعت "فاغنر"، فهناك شركتان أخريان، فضلاً عن الجنجويد السودانية وغيرهم".​ 

المساهمون