تسابق قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الزمن من أجل تحقيق أي إنجاز ميداني في إطار عدوانها على العاصمة الليبية، طرابلس، دون أن تحقق نتائج بارزة، وذلك في ظل محاولاتها تحقيق أي "مكاسب عسكرية"، وسط الحديث عن تغييرات وشيكة ستطاول الملف الليبي.
وفي السياق، نفى آمر "غرفة عمليات سرت الجفرة"، إبراهيم بيت المال، سيطرة قوات حفتر على مناطق غرب سرت، وتحديدا الوشكة، التي أكد أن "مليشيات حفتر فرت منها راجعة باتجاه سرت تحت ضرباتنا الجوية".
وأشاعت وسائل إعلام موالية لحفتر نقلا عن بعض قادته سيطرة قواته على مناطق الهيشة الوشكة، التي تبعد عن سرت 100 كلم غربا باتجاه مصراته، كما نقلت عن القادة أنفسهم أن قوة بحرية بدأت في التقدم نحو شواطئ مصراته.
وبعد سيطرة قوات حفتر على مدينة سرت، أول من أمس، قال المتحدث باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، إن السيطرة على المدينة لا تستهدف التقدم نحو مصراته أو غيرها من المدن، لكن بيت المال أكد أن معلومات قادة قوات حفتر مظللة.
وأشار بيت المال في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مليشيات حفتر انتهزت فرصة انشغالنا بترتيب قواتنا وتقدمت إلى مناطق، منها الوشكة، لكن سرعان ما فرت راجعة إلى سرت بعدما وجه لها سلاح الجو ضربات دقيقة وكثيفة"، مؤكدا أن عدد قتلى قوات حفتر قبل فرارها من الوشكة كبير.
وفي الأثناء، كثفت قوات حفتر في جنوب طرابلس من ضرباتها المدفعية على مواقع قوات الحكومة في بعض المحاور، دون أن تحقق أي تقدم، وهو ما يراه الخبير العسكري الليبي، الصيد عبد الحفيظ، محاولات في أكثر من اتجاه لتحقيق أهداف سريعة.
ويقول عبد الحفيظ لـ"العربي الجديد"، إن التقدم غرب سرت عسكريا يحتاج لوقت حتى تتم جهوزية القوات وتؤمن المواقع الجديدة، لكن التقدم بهذه السرعة نحو قرى الهيشة والوشكة يعني وجود أوامر وراءها ضغوط لتحقيق تقدم سريع.
واعتبر عبد الحفيظ أن قوات حفتر يبدو أنها تستغل تحصنها داخل المباني والمساكن الخاصة بالمدنيين في القريتين وإلا فهذه القرى مكشوفة ويمكن بسهولة استهدافها فيها جوا، لافتا إلى أن الفضاء الرابط بين سرت ومصراته يمكن أن يكشف أي تحرك وبالتالي يمكن استهدافه بسهولة أكثر.
من جهته، المهتم الليبي بالشأن السياسي، مروان ذويب، يرى أن تلك "التقدمات السريعة" هي حراك عسكري سريع يستبق حراكا دوليا وشيكا نحو وقف القتال، وربما بدء وصول دعم عسكري تركي معلن.
الأمران، برأي ذويب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، يشكلان عرقلة لحفتر، فوجود "القوات التركية يعني على الأقل عجز حفتر عن تحقيق أي تقدم، إن لم يكن هجوما عكسيا على مواقعه"، وبالنسبة للتدخل الدولي السياسي فإنه يعني ضعف موقف حفتر وحلفائه حال الدخول في تفاوض سياسي مع خصومهم.
وأخيرا بدت واشنطن، رغم انشغالها في ملفات أكثر سخونة، أكثر رغبة في الوجود كعامل مؤثر يوازن القوى في الملف الليبي، وهو ما تؤكده تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال إنه أجرى محادثات هاتفية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معبرا عن عزمه على إجراء محادثات مماثلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب ذويب، فإن قول ترامب إنه ناقش مع أردوغان "سبل إعادة الاستقرار في ليبيا" يشير لعودة اهتمام واشنطن بالملف الليبي، مضيفا أن دخول ترامب أخيرا على الخط وبشكل شخصي يعني أن واشنطن توصلت إلى هدف ما، فطيلة الأشهر الماضية كانت في وضع المراقبة.
ويوضح ذويب رأيه بالقول إن "ذهاب رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وحكومته إلى عقد تحالف مع تركيا، تم بعد زيارة السفير الأميركي ريتشارد نورلاند للسراج في مكتبه في طرابلس مباشرة، مع يعني وجود ضوء أخضر أميركي لدخول تركيا على الخط يبدو أنه من الواضح لردع التغول الروسي الذي يزداد وجودا في ليبيا لصالح حفتر"، مضيفا أن الخطة الأميركية يبدو أنها جاءت بأكلها وجاء دور تدخل ترامب شخصيا في الملف.
والدول الثلاث التي تواصل معها ترامب، بحسب رأي ذويب، هي تركيا وروسيا اللتان تمثلان طرفي القتال في ليبيا، وألمانيا التي تمثل الرؤية السياسية الدولية للحل في ليبيا، ما يعني ضمنا رسالة أميركية تقول بوقف القتال وضرورة التوصل لحل عبر بوابة مؤتمر برلين، الذي يعقد قريباً لبحث الملف الليبي.
ومن غير المعروف هل تسير أوروبا في ركاب السعي الأميركي، وخصوصا أن مفوض السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي ترأس اجتماع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا في بروكسل، أمس الثلاثاء، أعلن عن قرب ولادة مبادرة أوروبية.
وتعني المبادرة الأوروبية توحد موقف دول الاتحاد الأوروبي، وربما يعكس هذا التوحد توجسا من الخطر التركي الروسي إذا وجدت أنقرة وموسكو طريقا للمقاربة بينهما في ليبيا، وهو ما لا يراه ذويب قريبا ولن تسمح به الولايات المتحدة الأميركية.
ويؤكد ذويب أن الموقف رهين الساعات المقبلة، ولا سيما أن اليوم، الأربعاء، سيكون الملف الليبي الأكثر حضورا، حيث تعقد فيه القمة الخماسية في القاهرة، ويلتقي فيه أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيجري فيه ترامب مشاورات هاتفية مع بوتين، وهي الأسباب التي يراها ذويب دافعا لحفتر لإنجاز أي تقدم سريع على الأرض.