"النصرة" و"المنطقة الآمنة": إخلاء ريف حلب لتفادي الضربة القاضية

07 اغسطس 2015
"النصرة" انسحبت من بعض نقاطها بريف حلب (فرانس برس)
+ الخط -

تجد "جبهة النصرة" نفسها أمام أمر واقع تجاه التوافق التركي الأميركي على إقامة أنقرة "منطقة آمنة" شمال سورية، على الرغم من إبدائها عدم رضاها عن المسألة، خصوصاً بعد الرسائل التي وجّهتها كل من أنقرة وواشنطن لـ"النصرة"، ما جعلها تدرك خطورة رد الفعل الارتجالي الذي قامت به ضد "الفرقة 30" التي تلقّت تدريباً أميركياً.

ففي حين أكدت تركيا رفضها تواجد قوات "النصرة" في "المنطقة الآمنة" التي تنوي إقامتها، لم تكتفِ الولايات المتحدة بتأكيد حماية القوات التي درّبتها تحت مسمى "المعارضة المعتدلة"، بل قامت بقصف مقرات للجبهة على خلفية اعتدائها على عناصر "الفرقة 30"، ما أسفر عن مقتل نحو ستين عنصراً من الجبهة، وهي خسارة تعد كبيرة بالنسبة لعدد قواتها في المنطقة.

هذا الواقع فرض على "النصرة" التعاطي بجدية مع الرسائل التركية والأميركية، بعد إدراكها عدم القدرة على المواجهة دفعة واحدة للنظام السوري والولايات المتحدة وتركيا وفصائل الجيش الحر المصنفة "معتدلة" أميركياً، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إذا ما بقيت على موقفها، فتوصّلت إلى توافق مع فصائل المعارضة يقوم على انسحاب الجبهة من المواقع التي تتمركز فيها ضمن منطقة عمليات "المنطقة الآمنة"، وإحلال فصائل من المعارضة المسلّحة محلها، على أن تتمركز في محيط مبنى الاستخبارات الجوية في حلب في مواجهة قوات النظام.

وأكدت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، أن "جبهة النصرة" انسحبت فعلاً من بعض نقاط تمركزها في ريف حلب الشمالي على جبهات القتال ضد تنظيم "داعش". مشيرة إلى أن عملية الانسحاب من نقاطها ومقراتها بدأت، مساء الأربعاء، بعد اجتماع ضم ممثلين عن "النصرة" وفصائل المعارضة الكبرى في ريف حلب الشمالي.

وأكد مصدر ميداني مقرّب من "الجبهة الشامية"، وهي أكبر فصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، أن قوات "الجبهة الشامية" تسلّمت، مساء الأربعاء، مقرات "النصرة" في قرية حرجلة الواقعة على بُعد 25 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، لتتسلم قوات "الشامية" نقاط الرباط ضد "داعش" قرب الحدود السورية التركية.

وجاء سحب "النصرة" قواتها من حرجلة كخطوة أولى بحسب اتفاقها مع قوات المعارضة، إذ نص الاتفاق بحسب مصادر "العربي الجديد"، على انسحاب "النصرة" من قرى حوار كيلس وشمارين وبراغيدة إلى الشرق من أعزاز، ومن مقراتها في مدينة أعزاز، لتصبح هذه المناطق تحت سيطرة قوات المعارضة السورية بشكل منفرد.

اقرأ أيضاً: "منطقة آمنة" بسورية: توافق أميركي تركي على المبدأ

ويبدو أن خيار "النصرة" ذاهب، حالياً، باتجاه التمركز في مناطق تستفيد من تعقيد تضاريسها، مع العمل على تقوية الحاضن الشعبي لها في تلك المناطق من خلال التسويق لنفسها على أنها الفصيل الأكثر جدية في محاربة النظام، ومن خلال تشويه سمعة الفصائل الأخرى والعمل على شيطنتها واتهامها بالعمالة للغرب والأميركيين، على غرار ما كانت تقوم به، من قبل، حين قضت على فصائل الجيش الحر في المنطقة "جبهة ثوار سورية" و"حركة حزم". ويبدو أن خيار "النصرة" ذاهب في اتجاه تكريس وجودها في مناطق جبل الزاوية بدءاً من مشارف سهل الغاب، وصولاً إلى معرة النعمان، وهي مناطق جبلية تؤمن لها تموضعاً يجعل من الصعب أن يتمكّن أي فصيل من إزاحتها منها.

وقد أسست الجبهة، بالفعل، منطقة نفوذها في مناطق جبل الزاوية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، من خلال تشكيلها دُور قضاء مستقلة خاصة بها، ومن خلال إزاحتها كلَّ القوى العسكرية والمدنية التي من الممكن أن تنافسها في إدارة المنطقة، والتي كان آخرها اعتقالها عناصر الشرطة المدنية في مدينة كفرنبل وبعض قرى منطقة المعرة في جبل الزاوية، وإغلاق مقرات الشرطة بعد توقيع عناصرها على تعهّدات بعدم العودة وعدم التعامل مع جهات غربية.

وتحاول الجبهة، الآن، وبالطريقة نفسها التي أكسبتها شعبية في مناطق جبل الزاوية على خلفية قصف مقراتها في كفردريان في بداية هجمات التحالف، كسب حاضنة شعبية من خلال العمل على محورين أساسيين، الأول استغلال استهدافها من الولايات المتحدة وكسب التعاطف معها، والثاني فتح معارك ضد النظام والعمل إعلامياً على إظهار نفسها المتصدر الأول في مواجهته، كما أن عدم وجود مشاكل جدية بين فصائل المعارضة المسلّحة في محافظة إدلب و"جبهة النصرة" قد يساعد الأخيرة على تنفيذ تمركزها في وقت أسرع ومن دون مشاكل تذكر.

ومن المناطق المرشحة أن تأخذها "النصرة" كمنطقة نفوذ، جبل التركمان في ريف اللاذقية، ومنطقة حارم شمال إدلب، لتمتعهما بالميزات نفسها التي يتمتع بها جبل الزاوية، وكون جبل التركمان يجعلها تشكّل تهديداً مباشراً للحاضن الشعبي للنظام وللقرى ذات الغالبية العلوية في المنطقة، الأمر الذي قد يكون ورقة ضغط في يدها في وجه التحديات التي تقابلها في المستقبل، سواء من النظام أو من الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تنظر لـ"النصرة" كهدف تالٍ بعد تنظيم "داعش".

ويبدو من أداء "جبهة النصرة"، خلال الفترة الماضية، أن موضوع انفصالها عن تنظيم "القاعدة" قد أصبح من الماضي، وذلك بعد أن أعلنت ولاءها للتنظيم في أكثر من مناسبة، وهو أمر يرشحها بشكل أكبر أن تكون الهدف التالي لقوات التحالف، وبالتالي يُرجّح أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من التشدد من الجبهة كون فكرة إنشائها قائمة على هذا الفكر المتشدد، وبالتالي لا يمكن لها أن تخفف من حدته إلا في حالات خاصة ولأسباب تكتيكية، لأن أي تخفيف في الخطاب، خلال المرحلة المقبلة، قد يؤدي إلى انسحاب جزء كبير من مكونات "النصرة" وذهابهم إلى التنظيمات المتشددة الأخرى.

اقرأ أيضاً: واشنطن تنفذ أول غارة "دفاعية"عن مقاتلين دربتهم في سورية

المساهمون