الموصل المنكوبة: 30 ألف ضحية مدنية ودمار هائل

27 ابريل 2017
بعض الأحياء دُمرت بالكامل (كريستوف سايمون/فرانس برس)
+ الخط -


حوّلت أكثر من سبعة أشهر من القتال المتواصل ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مدينة الموصل إلى "هيروشيما العراق"، بسبب الدمار الهائل الذي لحق بها، والخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين. رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ومع انطلاق المعارك نحو الموصل في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أعلن أن "الهدف هو تحرير الإنسان قبل الأرض"، إلا أن النتائج حتى الآن تُظهر عكس ذلك تماماً، فالخسائر البشرية في صفوف السكان فاقت التوقعات، والدمار في المدينة بلغ نحو 80 في المائة منها، حتى أن أحياء سكنية كاملة سُوّيت منازلها بالأرض على رؤوس ساكنيها.

خسائر بشرية غير مسبوقة
حتى التاسع عشر من الشهر الحالي، بلغت الخسائر المدنية في صفوف السكان في مدينة الموصل منذ انطلاق المعارك، وفقاً لمسؤول عراقي، أكثر من 30 ألف قتيل وجريح، ما زال قرابة أربعة آلاف مدني من القتلى تحت الأنقاض أو في عداد المفقودين.

وقال مسؤول حكومي عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة فرضت حظراً على نشر أرقام خسائر المدنيين بسبب عددها المخيف، مشيراً إلى أن عدد من قُتل من المدنيين بلغ 16 ألف مدني في الموصل وبلدات برطلة والحمدانية وحمام العليل وبعشيقة والقيارة وتل سقف وتلكيف وبلدات محوري مخمور وخازر فضلاً عن تلعفر، من بينهم نحو تسعة آلاف طفل وامرأة، بينما يتراوح عدد الجرحى بين 18 و19 ألف جريح. وبحسب المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه، فإن غالبية الضحايا سقطوا بواسطة القصف الجوي والصاروخي على المدينة.
هذه الأرقام أكدها بيتر ماريو، وهو طبيب ألماني شاب يعمل متطوعاً ضمن فريق مشترك من أطباء عراقيين وأوروبيين وأتراك لمساعدة السكان، ويُعدّ من أقدم فرق المساعدات الطبية في محافظة نينوى، إذ سبق أن شارك عام 2015 بإغاثة العراقيين الأيزيديين الذين كانوا محاصرين في جبل سنجار. وأوضح ماريو في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العدد قريب من الواقع المريع في المدينة، مضيفاً: "بعد انتهاء المعركة سيتفقد كل شخص جاره وقريبه، وستُظهر الوقائع ما حدث في الموصل".


دمار هائل

وقال عضو البرلمان العراقي والقيادي في تحالف القوى العراقية، النائب عز الدين الدولة، لـ"العربي الجديد"، إن "حجم الدمار مهول وغير مسبوق"، موضحاً أن "عدد المنازل المدمرة نتيجة العمليات العسكرية بلغ حتى الأسبوع الماضي 10 آلاف و700 منزل، أما البنى التحتية، من دوائر ومدارس ومستشفيات وجسور وطرق وخدمات كالكهرباء والماء والاتصالات، فحدّث بلا حرج".
ووصف الموصل بـ"المدينة المستباحة، إذ تُقصف بكل أنواع الأسلحة القانونية وغير القانونية"، معتبراً أن "هذه مأساة حقيقية، فالموصل دُمرت"، سائلاً "أين سيذهب أهلها الأحياء، فنحن نتحدث عن مليوني مدني هم سكان الموصل سيعودون ويجدون أن المدينة مُسحت". وأوضح "أننا طلبنا من الحكومة أكثر من مرة إعادة النظر في الخطة العسكرية في التعامل مع المدنيين ومع البنى التحتية، ولكن لا شيء حصل، وما كنا نخشاه وقع الآن"، لافتاً إلى "تفشي الأمراض داخل الموصل وخارجها في المخيمات، كالجرب وشلل الأطفال، إضافة إلى تلوث المياه والجوع، وهذه وصمة عار كبيرة على الجميع". وقال الدولة إن "وجع الموصل أكبر من أن تأتي شاحنات وسيارات محملة بالماء والبسكويت. وجع الموصل كبير، ونحن ضعنا في جزء من خطة دولية مرسومة لضياع العراق وتقسيمه".
من جهته، قال نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، نايف الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن نسبه الدمار في الجانب الأيمن للموصل كبيرة جداً قياساً على الجانب الأيسر، وذلك بسبب محاصرة "داعش" داخله وهو يحاول الآن إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر. وطالب الشمري الدول العربية "بإنقاذ الموصل وأن تكون لها وقفة جادة مع أهالي محافظة نينوى لإعمار المناطق التي تضررت نتيجة الدمار الكبير الذي لحق بهذه المنطقة نتيجة سيطرة تنظيم داعش، لأن الحكومة العراقية تمر بأزمة اقتصادية وعلى هذه الدول أن تساعدنا في بناء المؤسسات الحكومية المهمة، كالمستشفيات والمدارس والجسور ومنظومات الكهرباء".

أما رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، عبد الرحيم أحمد، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع الإنسانية في الموصل أسوأ من أن توصف بكلمات". وأضاف أن "ما لم يتم تدميره في المعارك وعلى يد داعش تمت سرقته، فحتى محطات المياه سرقت، وأنا أعتقد أن هذه السرقة لم تحصل على يد مواطنين عاديين بل من جهات أمنية". وطالب الشمري القوات الأمنية "بالاهتمام بأرواح الناس وممتلكاتهم، فالخسائر نغّصت فرحة استعادة وتحرير المدينة".
فيما وجّهت النائبة في البرلمان العراقي جميله العبيدي، نداء استغاثة عاجل لرئيس الوزراء حيدر العبادي وبعثة الأمم المتحدة في بغداد لإسعاف المواطنين المحاصرين في الأحياء غير المحررة من الجانب الأيمن. وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك من يستغيث، وهناك من يموت، وهناك من دُفن فعلاً تحت أنقاض منزله، فما يجري مصيبة". ولفتت إلى أن "الأطفال يعانون من الجوع والحرمان، ونطالب بإسعافهم بالمواد الغذائية غير القابلة للتلف وإيصالها عن طريق الطيران ليسدوا بها بعض رمق الجوع لحمايتهم من الموت".