وقد عادت الخلافات مجدداً بين الدول المتدخلة في ليبيا، فيما تحاول ألمانيا المحافظة على مخرجات القمة التي رعتها، ويصر اللواء المتقاعد خليفة حفترعلى إنفاذ مشروعه العسكري.
ومساء أمس، أعلنت قيادة مليشيا حفتر، في بيان، عن استقبال الأخير لوفد مكون من سفير فرنسا لدى ليبيا بياتريس هلين، والمستشار السياسي لرئيس الوزراء الإيطالي بيترو بانيزي، يرافقهما السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفيتشا، والمستشار الدبلوماسي للمستشارة الألمانية جان هيكر، مشيرة إلى أن الهدف من الزيارة "بحث آخر المستجدات السياسية والعسكرية".
وأوضح البيان أن حفتر أبلغ زواره بــ"أحقية" قواته في الاستمرار في عملياتها العسكرية، لكن في المقابل كشفت مصدر برلماني مقرب من حفتر عن مناقشة الاجتماع لطلب ألماني بدعم فرنسي وإيطالي يتلخص في إرجاء حفتر لتنفيذ وعيده بالعاصمة طرابلس، مشيراً إلى أن حفتر "أعد لها العدة العسكرية كاملة".
وبحسب برلماني تحدث لــ"العربي الجديد"، فإن ألمانيا يبدو أنها تمكنت من التقريب بين وجهات النظر الفرنسية والإيطالية بشأن مشروع حفتر العسكري، لافتاً إلى أنها تكافح من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها قمة برلين.
وتأتي الزيارة بعد يوم من إعلان المبعوث الأممي غسان سلامة استقالته المفاجئة، ولا سيما أنه أحد أبرز الشخصيات التي عملت لشهور على إقناع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالشأن الليبي باللقاء في قمة دولية من أجل حلحلة الخلافات الدولية في الملف الليبي، وهو ما يراه الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، الباعث لهذه الزيارة وسط مخاوف دولية من انهيار مخرجات قمة برلين. وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قد قال في مؤتمر صحافي يومي، إن الأمين العام سيناقش مع السيد سلامة "سبل ضمان انتقال سلس حتى لا تفقد المكاسب التي تحققت قوتها وزخمها".
ويرجح البرق في حديثه لــ"العربي الجديد"، انهياراً وشيكاً للجهود الدولية والأممية بعد استقالة سلامة، موضحاً أن "حفتر سيجد في الفراغ الأممي في ليبيا فرصةً لاستئناف القتال وتنفيذ طموحه الذي وقفت أطراف دولية أمامه، كما أن الحكومة في طرابلس تعد العدة لهجوم عكسي على قوات حفتر، كما أعلن وزير الداخلية بالحكومة، أول من أمس الاثنين".
ورغم إعلان استقالته وتنحيه عن منصبه، إلا أن مجلس النواب المجتمع في طبرق قرر خلال جلسته، يوم أمس الثلاثاء، "إرسال برقية احتجاج وشجب للأمين العام للأمم المتحدة بشأن التصريحات الصحافية الأخيرة للمبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة"، بحسب المتحدث الرسمي باسم المجلس، عبد الله بليحق، في تصريحات صحافية لتلفزيون محلي، ليلة أمس.
ولم ينجح قرار صادر من مجلس الأمن، في 13 من فبراير/شباط المنصرم، بشأن وقف إطلاق النار في إنهاء الخروقات التي تنفذها قوات حفتر في طرابلس، ما اعتبرته كثير من الأوساط أحد أسباب تنحي سلامة عن منصبه كوسيط أممي بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، تزامناً مع عجزه عن إقناعهم بالمشاركة في مسار الحل السياسي بعد عرقلة محادثات المسار العسكري.
وفي الأثناء، استمرت قوات حفتر في قصف مطار معيتيقة لحد إعلان إدارة المطار، ليلة أمس، عن تعليق الرحلات الجوية، قبل أن تعلن، في أولى ساعات صباح اليوم الأربعاء، عن إخلاء كامل المطار من موظفيه على خلفية اشتداد القصف.
لكن إنقاذ مخرجات برلين وما ترتب عليها من مسارات ثلاثة يبدو أنها مهمة تحاول ألمانيا توليها، بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، فبعد لقاء مسؤولين فرنسيين وإيطاليين، إلى جانب السفير الألماني، بحفتر، أمس الثلاثاء، أعلن الكرملين عن إجراء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتفقا خلاله على أهمية التزام أطراف النزاع في ليبيا بــ"وقف العمليات العسكرية وتنفيذ قرارات مؤتمر برلين".
ويوضح الحداد أن انجراف الوضع إلى مشهد قتالي جديد لا يزال بيد أطراف دولية بعيداً عن قرار طرفي الصراع في ليبيا، مشيراً في حديث لــ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك جهودا لعودة المقاربات التركية الروسية".
وأكد أن الدولتين باتتا الطرفين الأكثر وجوداً في ليبيا، وأن تأثير ما يحدث في سورية لن يسمح بتوسع التوتر بينهما أيضا في ليبيا.
ويرجح الحداد أن تبقى العملية العسكرية في محيط طرابلس في مستوى التوتر الحالي بينما يبقى الجانب السياسي قيد التجميد إلى حين حلحلة خلافات ملفات ضاغطة أخرى، كسورية مثلاً، والخلافات في أوروبا بشأن المهمة الأوروبية قبالة السواحل الليبية، وخصوصاً أنها تمس المصالح التركية البحرية المرتبطة بحكومة الوفاق وفق اتفاق سابق بينهما.