خاشقجي والـ15 نفراً

16 أكتوبر 2018
لم يكن جمال خاشقجي الأول ولن يكون الأخير(مات ماكلين/Getty)
+ الخط -
لم يكن جمال خاشقجي الأول ولن يكون الأخير، لكل نظام عربي طريقته البشعة في تصفية معارضيه وإسكات صوتهم لمجرد الخلاف والاختلاف معه في التصور والسياسات. وبين الخنق بربطة العنق والإذابة في الحمض ورحمة الرصاص وتقطيع الجثة، اختلفت الأنظمة العربية على كل شيء، إلا في أسلوب التصفية وأدواتها.
دخل الإمام اللبناني موسى الصدر ليبيا ولم يخرج منها، وخرج بدلاً منه جواز سفره في غير يد صاحبه ليُحجز به شقة في روما تمويهاً، ودخل كريم بلقاسم المناضل والمعارض الجزائري غرفته في فندق في فرانكفورت ولم يخرج منها راجلاً، خنق بربطة عنقه، ودخل المعارض المغربي مهدي بن بركة شقة في ضواحي باريس، حيث استقبله وزير الداخلية المغربي حينها محمد أوفقير ومدير المخابرات أحمد الديلمي ولم يخرج.
لخاشقجي أشقاء عرب كثرٌ من ضحايا الأنظمة المهووسة بالموت، لكل منهم قصة دامية تصلح لفيلم، لكن المشكلة في قصة خاشقجي أن العالم كان يعتقد أن بعضاً من هذه الأساليب البالية في الاغتيال والتصفية بات من الماضي، وأن هناك – وكل اغتيال مدان- أساليب أقل وساخة من التصفية والتقطيع داخل قنصلية. سيلاحظ العالم أن الأنظمة التي تدين جرائم داعش، قد تنفذ ما هو أسوأ منها وما هو أشنع من الإرهاب نفسه.
قد يكون متصوراً أن تمارس الجماعات الإرهابية أسلوبها الشنيع في التقتيل وتصفية خصومها، لكنْ لن يكون مفهوماً على الإطلاق أن تمارس دولة نفس الأسلوب، فيما هي تملك من الأدوات القانونية والمسارات القضائية ما يمكنها من ملاحقة أي شخص أو رعية، حتى عن طريق الإنتربول في حال كان محل اتهام.
ليست الخيبة العربية الكبيرة فقط في المأساة المتدحرجة في اليمن الذي لم يعد سعيداً بالمرة، وفي أنهر الدم التي تجري في سورية، وفي دوامة الاقتتال الذي لا يهدأ في ليبيا، إنما الخيبة الكبرى في أن العالم كله يقظ ومنتبه، يشرب قهوته صباحاً على أخبار التكنولوجيا والسباق إلى المريخ، ويمسي على تفاصيل الجريمة المرعبة التي لم يكتبها كاتب ولم يتخيلها روائي، الاختفاء الدراماتيكي لخاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وفي ظل رجال العهد الجديد.
وحين لم يكن بإمكان رجال العهد الجديد من القائمين على البيت الحرام وما جواره، التحلي ببعض أخلاق الصحابة، فقد كان بإمكانهم تقديم بعض من مروءة قريش، وقريش هذه التي كانت تدير بيت الله الحرام ونبيه إبراهيم، كانت أكثر مروءة وحفظاً للنفس إذا دخل حوضها واحتمى بها مستجير، وقد يكون الذي خطط ودبر اغتيال خاشقجي بهذه الطريقة متأثراً بفيلم الرسالة لمخرجه مصطفى العقاد، فاختار على طريقة الفيلم نفسه، 15 نفراً ليتفرق دم جمال خاشقجي بين القبائل.
لو غرس كل من الأنفار الـ15 ومتعهدهم فسيلة لكان أبرأ، لكن حين يكون النفر ومتدبرهم أفشل ما يكون حتى في صناعة الموت، فكيف يمكن له أن يستدعي النجاح في صناعة الحياة. لا يلتقي الموت والحياة في عقل رجل، تماماً مثلما لا تلتقي الحرية والاستعباد في معصم.
دلالات