حراك على هامش الأزمة الليبية: هل تملك واشنطن رؤية للحل؟

23 فبراير 2020
تباين بالمواقف بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية (آدم بيري/Getty)
+ الخط -
على عكس آراء أوساط متابعة لمستجدات الشأن الليبي، لا يبدو أن لدى البيت الأبيض سياسة أو رؤية واضحة تتجه لصنع إرادة لاحتواء الأزمة الليبية، أو على الأقل المشاركة الفاعلة في حلها. 

وما من شك في أن الموقف الأميركي الثابت يتمثل في رفض الحل العسكري في ليبيا، وضرورة جلوس الأطراف المتنازعة للبحث عن حل سياسي، لكن ذلك لم يزد عن حد الدعوة دون تحرك جدي ونشط لفرض هذه الدعوة.

ورغم استشهاد أوساط متفائلة بعودة نشاط واشنطن في الملف الليبي بما أحرزه السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، من اختراق مؤخراً لمواقف الأطراف الليبية وإقناعها بالعودة لجلسات التفاوض في المسار العسكري المنعقدة في العاصمة السويسرية جنيف، إلا أن تصريحات وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، لصحيفة "بلومبيرغ"، أمس السبت، دعا فيها واشنطن إلى إقامة قاعدة عسكرية في بلاده للتصدي لـ"توسع النفوذ الروسي في إفريقيا"، معرباً عن أمله بأن "تشمل إعادة تمركز القوات الأميركية في إفريقيا تواجداً داخل ليبيا"، قوبلت بانتقادات.

ووصف الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق دعوة باشاغا بـ"التسول السياسي" لـ"دغدغة عواطف واشنطن والدندنة على وتر توجسها من التوغل الروسي في ليبيا".

ويرى البرق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "قادة طرفي الصراع في ليبيا يدركون بشكل جيد طبيعة الموقف الأميركي الجامد"، موضحاً أن "قادة الحكومة لم يتوقفوا عن الحج إليها في محاولة لاستمالتها وصنع حليف منها، متخذين من الشراكة معها في ملف مكافحة الإرهاب أساساً لصنع هذه العلاقة، بينما يستغل الطرف الآخر، المتمثل في اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الفراغ الذي تركه الموقف الأميركي في الملف الليبي لتحقيق أهدافه العسكرية".

وحتى الأطراف أو الشخصيات التي تعمل على هامش الأزمة، بدفع من أطراف إقليمية، ومن بينها العارف النايض، السفير الليبي السابق لدى أبوظبي، والذي حاول الاقتراب في العديد من المرات من مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية، رغم عدم امتلاكه أي صفة، آخرها لقاؤه مع فيكتوريا كوتس، نائبة مساعد الرئيس دونالد ترامب ونائبة رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الجمعة. 

في السياق، يؤكد خبراء الشأن الأميركي أن الملف الليبي "لا يمثل أولوية في سلم سياسات واشنطن، والخلاف فيه لا يزال قائماً بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وظهرت مؤشرات عن ذلك في العديد من المرات، أبرزها موقف وزير الخارجية مايك بومبيو المعارض والمنتقد للاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب مع حفتر، في إبريل/ نيسان الماضي، بل تشدد كل تصريحاته بشأن ليبيا على ضرورة وقف حفتر لعملياته العسكرية، عكس ما قد يُفهم من مباركة ترامب لعملياته من خلال اتصاله الشخصي به".

وتبدو أبزر ملامح الارتباك الأميركي في الملف الليبي في عدم القدرة على صياغة موقف موحد مع عواصم الدول الأوروبية الأكثر قرباً من الملف الليبي، ربما يدلّ عليه عجزها عن تكوين موقف موحد مع أوروبا لتعطيل قرار حفتر إغلاق المنشآت النفطية، وقبلها تفعيل مواقف وتصريحات مسؤوليها بشأن قلقهم من التوغل الروسي في ليبيا إلى إجراءات فعلية، رغم قدرتها على كبح جماح حفتر وإرغامه على قطع علاقته بروسيا.

ورغم تأكيد الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة أن عدم وصول الملف الليبي إلى درجة مهمة في سلم أولويات السياسة الأميركية، ورغم إقراره أيضاً بأن تحركات السفير الأميركي الأخيرة "لا تزال غير مدعومة عملياً بمواقف رسمية أميركية يمكن أن تسهم في حضور أميركي أكثر تأثيراً"، إلا أنه يشدد على أن "واشنطن تسير في الظل، وتقترب من الهامش أحياناً، وتستغل فرصاً مثل حالة التهدئة الحالية في محاور القتال التي أفضت إلى اتفاق دولي في برلين، قبل أن تصل إلى ردهات مجلس الأمن ليصادق على قرار وقف نهائي لإطلاق النار".

وأضاف كشادة أن "عوامل أخرى قد تكون شجعت واشنطن على التحرك، ولو ببطء، منها التوتر الذي تشهده العلاقة بين روسيا وتركيا حالياً، تزامناً مع انشغال دول، ومنها فرنسا الداعمة لحفتر، بدوامة تداعيات المساعي التركية للسيطرة على مواقع الغاز في المتوسط".

ورغم نشاط شخصيات دبلوماسية كبيرة في الكونغرس، مثل السيناتور عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام، دفعت بمشروع قانون "تحقيق الاستقرار في ليبيا" بهدف بناء رؤية أميركية بشأن ليبيا، إلا أن الكونغرس لا يزال عاجزاً منذ تقديمه، أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن إقناع أعضائه ببدء مناقشته لتمريره لمجلس الشيوخ للمصادقة عليه، في وقت لا يزال البيت الأبيض يخفض من أهمية الملف الليبي إلى درجة تسليمه كلياً لنائبة رئيس مجلس الأمن القومي فيكتوريا كوتس.​

المساهمون