شيطان التفاصيل يهدد اتفاقية السلام بجنوب السودان

09 مايو 2016
ميارديت يتهم أطرافاً بالعمل على إسقاطه (Getty)
+ الخط -
مع ضربة البداية التي تلقتها الحكومة الانتقالية الجديدة بدولة جنوب السودان، أطل شيطان التفاصيل برأسه، ليهدد اتفاقية السلام الشامل التي وقعها الفرقاء الجنوبيون بأغسطس/آب الماضي، لإنهاء ما يزيد عن العامين من الحرب الأهلية.

وأعلن الرئيس الجنوبي، سلفاكير ميارديت، الجمعة الماضية، عن تعيين عشرة مستشارين بشكل أحادي، عقب إعلان الحكومة الانتقالية الجديدة، بمشاركة المعارضة المسلحة بزعامة رياك مشار، والتي عدت التعيين بمثابة حكومة داخل حكومة، باعتبار أن مهام المستشارين توازي الحقائب الوزارية التي شغلتها المعارضة، سواء من مجموعة رياك مشار أو المعتقلين أو الأحزاب الجنوبية الأخرى، فضلا عن أن القرار لم يستوعب أيا من عضوية تلك الأطراف، كما أن الخطوة تمت دون مشاورتهم.

وعين سلفاكير كبير مستشارين ومبعوثا رئاسيا خاصا له، فضلا عن مستشارين للشؤون العسكرية وشؤون الحكم اللامركزي والشؤون الأمنية وشؤون التعليم والاقتصاد والشؤون القانونية والزراعية والأمن الغذائي ومستشار "الشؤون الخاصة". وسارعت المعارضة المسلحة لانتقاد الخطوة رغم إقرارها أن الاتفاقية لم تتطرق لقضية المستشارين أو تلتفت لها.

وقال المتحدث الرسمي باسم مجموعة مشار، وليام ازيكيل، لـ"العربي الجديد"، "نأسف جدا للقرار الخاص بتعيين المستشارين، والذي تم دون مشاورتنا أو عبر التوافق رغم اعترافنا بحق الرئيس سلفاكير في تعيين مستشارين له"، وشدد "لكنها تعتبر بداية غير مشرقة لتنفيذ الاتفاقية لأن روح الشراكة غابت تماما".

لكن الحكومة في جوبا دافعت بشدة عن الخطوة باعتبارها حقا دستوريا للرئيس الجنوبي سلفاكير، ورأت أنه لا يوجد في الاتفاقية ما يجبرها على مشاورة شركائها في الخطوة أو استيعاب أي من منسويها كمستشارين.

وقال وزير الإعلام الجنوبي مايكل مكواي، لـ"العربي الجديد"، "هناك من يقرأ الاتفاقية بالمقلوب، فأي قضية لم تتناولها الاتفاقية تبقى كما هي في الدستور"، وأوضح "الدستور يعطي الرئيس الحق في تعيين مستشارين وبالعدد الذي يراه مناسبا. الشراكة لا تعني إشراكهم في كل شيء وإنما في حدود الاتفاقية فقط"، وتساءل مكواي: "لا أفهم بأي حق يطالبون بمشاورتهم ويشككون في قرار الرئيس".

ولم تكن قضية المستشارين العشرة وحدها من فجرت الخلاف بين الفرقاء الجنوبيين، فقد رفضت الحكومة في جوبا الاعتراف بقوات تتبع لمشار بعدد من الولايات الجنوبية، ما يهدد بنسف الاتفاقية رغم المحاولات الدولية والإقليمية لحلحلة الخلاف، فضلا عن أن الرئيس اتهم تلك القوات بالعمل لإشعال الحرب ضده.

وبدا مشار، وهو النائب الأول لسفاكير، يائسا من تنفيذ الاتفاقية، حيث أكد الخميس مواجهة الاتفاقية الجنوبية لتحديات تعيق تنفيذها، بينها إعادة دمج وتدريب القوات المشتركة واختيار عضوية الاحزاب في البرلمان، فضلا عن تعيين الرئيس الجنوبي لمستشارين دون مشاركة الأطراف، وأكد أن الطرفين لم يتفقا على مراكز تجميع قوات المعارضة المسلحة في ولايتي شمال بحر الغزال والاستوائية الكبرى.

من جهته، يؤكد مكواي، رفض جوبا القاطع الاعتراف بالقوات الموجودة في الاستوائية الكبرى وشمال بحر الغزال باعتبارها قوات جديدة شكلت بعد التوقيع الاتفاقية، وأن الأخيرة لم تشملهم، وأوضح: "بند الترتيبات الأمنية تحدث فقط عمن شاركوا في الحرب، وليس من المعقول أن تعمل المعارضة المسلحة على تجنيد خمسة آلالاف شخص بعد التوقيع، وتأتي وتقول لا بد أن تشملهم الترتيبات"، وقال إن تلك القوات تقوم حاليا بأعمال مسلحة كنوع من الضغط على الحكومة.

وشهدت أولى جلسات مجلس الوزراء الجديد، عملية طرد أحد وزراء المعارضة المسلحة من قبل الرئيس ميارديت، لتحفظات بشأن ربطة عنق الوزير الجديد، وهو نجل زعيم الحركة الشعبية، جون قرنق (مبيور)، وهي خطوة أثارت جدلا كبيرا، وعدها مراقبون تأكيدا للخلاف وقبول الرئيس سلفاكير للاتفاقية على مضض، وبدا الوزير الجنوبي المطرود من جلسة المجلس مندهشا من تصرفات الرئيس سلفاكير باعتبار أن البروتوكول لم يحدد زي للوزراء.

والسبت الماضي، بث ميارديت عبر التلفزيون الرسمي تخوفات من وجود جهات تعمل على إسقاط نظامه، وإقرار نظام جديد فضلا عن محاولات عزله عن السلطة، وأكد أن اتفاقية السلام صممت بطريقة يجعل التوقيع عليها وتنفيذها مستحيلا، ولكنه عاد وشدد على أهمية تنفيذها رغم التحفظات لإنهاء الحرب، وذكر أن هناك شخصيات زرعت بولايات الاستوائية وبحر الغزال لشن الحرب ضد الحكومة.

وينتظر أن يعقد مجلس الوزراء الجنوبي الثلاثاء، اجتماعا فوق العادة لمناقشة القضايا الخلافية بينها قضية تقسيم الدولة الوليدة لـ"28" ولاية، بدلا عن عشر، فضلا عن القضايا المتصلة بتنفيذ الاتفاقية. وقبيل الاجتماع أعلنت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان "يونمس"، عدم الاعتراف بالتقسيم الجديد للولايات الجنوبية، وهي خطوة أثارت حفيظة الحكومة الجنوبية المؤيدة للتقسيم والمتمسكة به.

واعتبر مكواي، أن التصريحات التي أدلت بها مسؤولة "يونمس"، ايلين مارغريت، تجاوز للتفويض، وتدل على تخبط المسؤولية الأممية، وعدم درايتها باختصاصتها بالشكل الكافي إذ لا يحق لها التدخل في القرارات المتصلة بالتنظيم الإداري.
المساهمون