رقص وقصف بانتظار مصير "داعش" على حدود لبنان الشرقية

29 يوليو 2017
عنصر من حزب الله بجرود عرسال (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
أيام قليلة تفصل حدود لبنان الشرقية مع سورية عن استكمال "حزب الله" المفاوضات التي يتوسط فيها المدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مع قيادة تنظيم "جبهة فتح الشام" المركزية في إدلب السورية، وما تبقى من قادتها في جرد بلدة عرسال، لإنهاء ملف مسلحي الجبهة بعد 6 أيام من المعارك، التي أدت إلى تقدم "حزب الله" للجرد، والتمهيد لإخراج المسلحين وعائلاتهم، مع أبو مالك التلي، إلى المحافظة السورية. ويفترض أن تنتهي مهلة وقف إطلاق النار، اليوم السبت.

ويسمح انتهاء هذه المفاوضات بتوجه الأنظار نحو آخر المناطق اللبنانية التي تُسيطر عليها تنظيمات مُتشددة على حدود لبنان الشرقية مع سورية، وذلك في جرود بلدات الفاكهة ورأس بعلبك والقاع ذات الأغلبية المسيحية التي تقع شمالي بلدة عرسال، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 380 كيلومتراً مربّعاً. وينتشر في جرودها المتداخلة مع الجرود السورية حوالي 200 عنصر من تنظيم "داعش" على مساحة تُقدر بحوالي 250 كيلومتراً مربعّاً، تتوزع بين جرود القلمون الغربي السورية والجرود اللبنانية في جزء من عرسال والفاكهة ورأس بعلبك والقاع.

يقود التنظيم هناك، السوري موفق الجربان، المشهور بـ"أبو السوس". كان الرجل مُهرّباً سيئ السمعة في منطقة القلمون السورية قبل الثورة، التي تحول بعدها إلى مقاتل في صفوف فصائل الجيش الحر، ثم مشروع أمير في تنظيم "جبهة النصرة" قبل أن يُصبح وبشكل غامض أميراً داعشياً بعد البيعة التي أداها لقائد التنظيم، أبو بكر البغدادي. خاض رجال الجربان معارك عدة ضد "حزب الله" وضد "فتح الشام" في الجرود اللبنانية وتسلل انتحاريوه إلى بلدة القاع (تبعد حوالي 136 كيلومتراً عن بيروت)، وحاولوا تنفيذ تفجيرات في رأس بعلبك (تبعد حوالي 125 كيلومتراً عن بيروت). وذلك بعد أن شاركوا في اجتياح بلدة عرسال عام 2014، وذبحوا العسكريين اللبنانيين عباس مدلج وعلي السيد اللذين كانا من ضمن العسكريين الذين خطفهم التنظيم قبل المعركة. ولا يزال مصير 9 من العسكريين المخطوفين مجهولاً بعد انقطاع المفاوضات بين السلطات اللبنانية وأبو السوس من دون التوصل إلى نتائج تسمح بإتمام عملية تبادل على غرار تلك التي تم تنفيذها مع "فتح الشام" عام 2015. وبقيت بلدة الفاكهة (تبعد حوالي 123 كيلومتراً عن بيروت) المُختلطة سكانياً بين مُسلمين ومسيحيين بعيدة عن خطر عناصر "داعش". تُقدّر مصادر محلية عدد عناصر داعش في الجرود اللبنانية بحوالي 200 عنصر، يعانون من محدودية الذخيرة والمؤن نتيجة معاركهم المتعددة مع "حزب الله" والجيش اللبناني و"فتح الشام" خلال الأعوام الماضية في الجرود. ويسود افتراض عام بأن المعركة مع "داعش" ستكون سهلة وسريعة، بسبب خلو المناطق القريبة من الجرود من المدنيين (لبنانيين ولاجئين).



راقب مقاتلو "داعش" مجريات المعركة التي خاضها "حزب الله" طوال أسبوع مع مقاتلي "فتح الشام" في جرد بلدة عرسال من مواقعهم في جرد بلدة الفاكهة التي اقتربت منها المواجهات، وطلبوا التفاوض مع الحزب "بعد أن اعتبروا من سُرعة تقدم مقاتلي الحزب وانهيار مواقع فتح الشام أمام تقدمهم"، كما أفادت مصادر متابعة لملف المفاوضات لـ"العربي الجديد". ونتيجة التنسيق القائم بين "حزب الله" والمدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، تم تحديد شرط كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى التنظيم، وبشكل مُسبق لبدء أي مفاوضات تسمح بانتقال مقاتلي التنظيم إلى البادية السورية.

في هذه الأثناء شهدت البلدات الثلاث التي يُقدر عدد سكانها المُقيمين بحوالي 7 آلاف نسمة، انتشاراً مُكثفاً للجيش اللبناني، الذي استقدم تعزيزات من فوج المغاوير (أحد أفواج النخبة في الجيش) وعددا من القوات التابعة لأفواج التدخل، ونشرها بين البلدات الثلاث وبين جرودها، التي تتفاوت المسافة بينها وبين البلدات بين 3 و15 كيلومتراً "ليتم استكمال الحاجز العسكري الذي بدأ من بلدة الطفيل، جنوبي بعلبك حتى الهرمل عند أقصى شمال حدود لبنان الشرقية مع سورية"، بحسب مصدر عسكري في الجيش اللبناني، الذي أكد "إمكانية تحول الانتشار إلى عملية عسكرية هجومية ينفذها الجيش لاستعادة الجرود اللبنانية من سيطرة داعش"، إلا أنه "يؤكد أن قراراً كهذا لم يُتخذ بعد".

وأفادت مصادر محلية في بلدة رأس بعلبك لـ"العربي الجديد" بأنه "بعد ظهر يوم الخميس شهد إطلاق صليات مدفعية متتالية من مواقع انتشار الجيش اللبناني نحو مواقع داعش في الجرود، بعد أن أطلق عناصر التنظيم طلقات من أسلحتهم الثقيلة باتجاه المواقع المستحدثة للجيش في المنطقة". وسبق لعناصر "داعش" أن تسللوا خلال العام الماضي والعام الحالي إلى بلدتي رأس بعلبك والقاع التي شهدت مجزرة ارتكبها 8 انتحاريين من "داعش" على دفعتين في 27 يونيو/حزيران 2016، وأدت لمقتل 5 مواطنين وجرح 15 آخرين. وأثار تمكن عناصر "داعش" من التسلل لمرة ثانية وبعد ساعات على موجة الهجوم الانتحاري الأولى تساؤلات عن جدوى الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني في البلدة. كما نجا سكان رأس بعلبك من مجزرة ثانية عندما فكك الجيش اللبناني في مايو/أيار الماضي قنبلة مزروعة قرب إحدى كنائس البلدة.



راهن عناصر "داعش" على تحقيق عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين بعد استدراجهم بتفجير عبوتين صغيرتين للغاية، تؤديان لتجمع الأهالي قرب العبوة الأساسية التي فككها الجيش. كما صدّ الجيش اللبناني في يناير/كانون الثاني 2015، هجوماً نفذه عناصر "داعش" ضد موقع مراقبة تابع لفوج الحدود البرّية الثاني في منطقة تلّة الحمرا في جرود رأس بعلبك. فقد الجيش 8 عسكريين خلال الدفاع عن الموقع الذي سبق أن تعرض لهجوم مماثل قبل أشهر قليلة. أدت هذه العمليات إلى تضامن رسمي وشعبي لبناني واسع مع المنطقتين وإلى شدّ العصب المسيحي بسبب الطبيعة الديمغرافية لهذه البلدات ذات الأغلبية المسيحية، التي توالي الأحزاب المسيحية الكبرى كـ"القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" و"التيار الوطني الحر". ورحّب الأهالي بكل الجهود التي تؤدي لحمايتهم من خطر "داعش" ومنها قتال "حزب الله" لتنظيمي "داعش" و"فتح الشام" في الجرود اللبنانية والسورية.

تاريخياً، يعود تاريخ بلدة رأس بعلبك إلى العهد الروماني حيث يقول أهلها، إن "بلدتهم شهدت تطوراً وإنماءً أكبر من وضعها الحالي تحت إدارة السلطات اللبنانية، التي اكتفت بالتضامن الكلامي مع أهلها، من دون محاولة تأمين مستلزمات الحياة الأساسية كالكهرباء ودعم الاقتصاد المحلي وتطوير البنى التحتية الضعيفة فيها". وهو الحال المشابه لبلدتي القاع والفاكهة. حتى أن مؤسسة كهرباء لبنان كانت أصدرت بيانا أعلنت فيه عن تزويد بلدة القاع بالتيار الكهربائي بشكل متواصل، ولكن مؤقتاً، حتى استكمال الجيش عملية تمشيط البلدة إثر العمليات الانتحارية التي ضربتها عام 2016. عاد التقنين الكهربائي بعد انتهاء التمشيط، ويستمر حتى اليوم.

وقد شجعت الأوضاع الأمنية على اتخاذ المواطنين لخطوات حمائية كنوبات الحراسة المُسلحة لحماية البلدة. وشارك أحد نواب كتلة "القوات اللبنانية" البرلمانية، أنطوان زهرا، في حمل السلاح في القاع. وهو ما أثار موجة انتقادات بشأن التعارض بين هذه الصورة ومطالبة "القوات" بنزع السلاح غير الشرعي من الأحزاب اللبنانية وعلى رأسها "حزب الله". وتشكل منطقة مشاريع القاع الأقرب إلى جرود البلدة من القاع نفسها مكانا لإقامة سكان مُسلمين في البلدة ذات الأغلبية المسيحية إلى جانب مئات اللاجئين السوريين.

ومع تأكيد قائد الجيش جوزيف عون في تصريحات أن "الحرب المفتوحة التي يخوضها الجيش ضدّ الإرهاب، لا تقتصر أهدافها على حماية لبنان فحسب، بل هي أيضاً جزء من الجهد الدولي للقضاء على هذا الخطر الذي يتهدد العالم بأسره"، يُتوقع أن تشهد المعركة في جرود البلدات الثلاث، في حال وقوعها، مشاركة أكبر للجيش اللبناني، بعكس ما جرى خلال معركة جرود عرسال، التي خاضها عناصر "حزب الله" كاملة وبشكل منفرد. وفي محاولة لتجاوز حالة القلق يواصل أهالي البلدات الثلاث إحياء المناسبات الاجتماعية من حفلات أعراس وخطبة وغيرها، يردد الأهالي مقولة: "الرقص شغال والقصف شغال".


المساهمون