ابتزاز السلطة الفلسطينيّة يمتد للمحاكم الأميركيّة: دعوى بمليار دولار

16 يناير 2015
وثائق الانضمام لـ20 منظمة دولية شملت الجنائية الدولية(عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
في سياق حرب الضغوط على السلطة الفلسطينية لإجبارها على التراجع طوعاً عن عضوية المحكمة الجنائية الدولية، لم تعد السلطة الفلسطينية مهددة فقط بخسران ما يقارب النصف مليار دولار سنوياً من المساعدات الأميركية، التي يلوّح الكونغرس الأميركي بقطعها، بل أصبحت مهددة أيضاً بدفع مليار دولار إضافي من خزينتها هذا العام على شكل تعويضات لعائلات يهودية أميركية، بموجب دعوى قضائية مرفوعة قبل عشر سنوات سبق للقضاء الأميركي رفضها لعدم الاختصاص، لكن الدوافع السياسية أدت إلى إعادة تفعيل القضية على عجل يوم الثلاثاء الماضي.

ومن المتوقع أن تستمر المداولات في القضية التي نجح محركوها في الدفع بها أمام هيئة محلفين اتحادية في مانهاتن ـ نيويورك، ثمانية أسابيع على الأقل، لكي يصدر الحكم قبل حلول الأول من أبريل/ نيسان المقبل، الموعد الرسمي لإعلان انضمام السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، في توافق زمني لا يأتي من قبيل الصدفة، بل ليؤشر إلى أن القضية مسيّسة والهدف منها هو ليّ ذراع السلطة الفلسطينية ومنعها من نقل المعركة مع إسرائيل إلى لاهاي عبر تقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى محاكمة دولية.
وجاء تفعيل القضية المشار إليها من باب المقايضة والتهديد للقادة الفلسطينيين بتحميلهم من حيث المبدأ المسؤولية عن ست عمليات رئيسية وقعت في مدينة القدس بين عامي 2001 و2004 حتى لا يفكروا في تحميل قادة إسرائيل أية مسؤولية عن المجازر التي ارتكبت في الماضي أو قد ترتكب في المستقبل ضد الشعب الفلسطيني.
ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية، بسبب الملابسات السياسية المحيطة بالقضية، أخذتها على محمل الجد ولم تهملها، إذ أرسلت وفداً حكومياً إلى نيويورك للإشراف على خطة سير مرافعات الدفاع. ويضمّ الوفد الحكومي الفلسطيني وزيرين وطاقماً من المساعدين والخبراء القانونيين.
وتستند القضية إلى ازدواجية الجنسية بحكم أن بعض ضحايا هجمات تلك الفترة كانوا من حَمَلة الجنسية الأميركية، إذ يتيح قانون أميركي صدر عام 2004 للضحايا الأميركيين الذين يسقطون جراء عمليات في الخارج، توصف بالإرهابية، المطالبة بتعويضات من المتسببين المفترضين أو المشاركين في تلك العمليات.
ولكن من المشكلات التي أدت إلى رفض الدعوى في الماضي، أن القوانين الأميركية يتم تطبيقها من تاريخ صدورها وليس بأثر رجعي على حوادث سابقة. وبما أن جميع الهجمات وقعت قبل صدور القانون المشار إليه، فإن المحامين المترافعين عن السلطة الفلسطينية نجحوا في إفشال القضية. كما يستند الفلسطينيون في دفاعهم إلى ضعف الأدلة على تورط السلطة وإلى عدم استهداف الأميركيين بصفتهم أميركيين بل بصفتهم إسرائيليين، إذ إنه من الصعب تحديد مزدوجي الجنسية مسبقاً قبل وقوع الهجمات.

وعلّق خبراء قانونيون على المحاكمة بالقول إنها مسيسة وخاسرة من الناحية القانونية، لكن الضغوط السياسية والنفوذ الخفي الذي نجح في إقناع محكمة مانهاتن بقبول القضية قد لا يعني بالضرورة أن ينجح محركو القضية في استصدار حكم قضائي لصالحهم. ويرى معلقون آخرون مؤيدون لإسرائيل أن العقدة الأساسية كانت طوال العشر سنوات الماضية تتمثل في إقناع المحكمة بقبول الدعوى من حيث الاختصاص من عدمه، أما وقد تم قبول القضية، فإن الحكم فيها لصالح رافعي الدعوة سيكون تحصيل حاصل. وفي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون من خلال عضويتهم في المحكمة الجنائية الدولية إلى تقديم طلب سيكون متاحاً لهم بعد العضوية لانخراط المحكمة الدولية في التحقيق بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في هجومها الأخير على قطاع غزة في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين، إلا أن بعض خبراء القانون الدولي يؤكدون أن المحكمة تنظر فقط في القضايا التي يطرحها الأعضاء بعد العضوية، ولا تقبل النظر في قضايا سابقة على تاريخ العضوية.
ومن هذا المنطلق، فإن الانزعاج الإسرائيلي من عضوية السلطة الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية لا يعود إلى مخاوف تتعلق بجرائم الماضي، بقدر ما يتعلق بتصميم مسؤوليها على ارتكاب جرائم مماثلة في المستقبل، ويخشون التعرض للمساءلة الدولية على جرائم مستقبلية محتملة.

وعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها الفلسطينيون على مختلف الصعد لسحب طلب الانضمام إلى معاهدة روما، التي تأسست بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنهم حتى الآن لم يظهروا أي مؤشر على احتمال الرضوخ أو الامتثال للرغبة الأميركية ـ الإسرائيلية في منعهم من العضوية. وقد أعلن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، يوم الأربعاء، أنه سيتوجه إلى لاهاي قريباً لتوقيع اتفاقية تعاون وتنسيق وتشاور مع المحكمة الجنائية الدولية. وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد وقّع في 31 من الشهر الماضي وثائق للانضمام إلى 20 منظمة دولية، أبرزها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بعد إفشال مشروع قرار فلسطيني مدعوم عربياً لإنهاء الاحتلال. ولم يحظ مشروع القرار بدعم الأصوات التسعة اللازمة خلال التصويت عليه من أعضاء مجلس الأمن الدولي.

المساهمون