خبراء عسكريون أردنيون لـ"العربي الجديد": "الناتو العربي" ولد ميتاً

21 ابريل 2019
السعودية متورطة بحرب اليمن (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
لا تزال حلقات الفشل تلاحق مشروع "الناتو العربي" الهادف إلى بناء منظومة عسكرية بين الجيوش الخليجية ومصر والأردن، شبيهة بحلف "شمال الأطلسي" (الناتو) برعاية أميركية، لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، وسط توترات إقليمية وخلافات تعصف بدولها، إلى جانب تباين الأولويات.
ويعود الحديث عن الحلف مجدداً بعد أنباء تحدّثت عن انسحاب مصر من المشاورات الخاصة بالجهود الأميركية لتشكيل "الناتو العربي"، على الرغم من أنّ مصادر مصرية مسؤولة قللت من دقة ما تمّ نشره بشأن وجود قرار كهذا. وقالت المصادر التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، إنّ "الحديث عن خطوة أو قرار بالانسحاب من جانب القيادة المصرية ليس صحيحاً، ولكن هناك تباينات في الرؤى ترغب القاهرة في حسمها قبل إنهاء مرحلة المشاورات والبدء في الخطوات العملية".
في غضون ذلك، لا تزال الأزمة الخليجية المفتعلة بعد فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر، تراوح مكانها، وهو ما يقف عثرة بوجه تشكيل هذا الحلف. كما أنّ وجهات النظر بين الدول الخليجية حول العلاقة مع إيران متباينة. ففي الوقت الذي لا توفّر فيه الرياض وأبوظبي والمنامة مناسبة للإعلان عن عدائها لطهران، فإنّ الدوحة والكويت سبق أن دعتا إلى الحوار مع إيران لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، فيما تتخذ مسقط موقفاً حيادياً في هذا الشأن.
وحول هذا الحلف، يقول الخبير الأردني في الشؤون العسكرية، اللواء المتقاعد فايز الدويري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الناتو العربي ولد ميتاً، مثل الجامعة العربية، فالدعوة إلى هذا الحلف كانت دعوة أميركية، ليست صادرة عن إرادة عربية، والولايات المتحدة عندما تنشئ تشكيلاً معيناً تنظر لمصالحها وليس لمصالح الآخرين، وبالتالي، فإنّ الرؤية الأميركية لا يمكن أن تنطبق مع النظرة العربية الوطنية".
ويوضح الدويري أنّ "الولايات المتحدة تتحدّث عن ناتو عربي، وليس عن حلف تكون هي جزءاً منه وقوة عسكرية فاعلة فيه، فيما الدول العربية التي كان من المفترض أن تؤدي دوراً رئيسياً فيه، كالسعودية ومصر والإمارات والأردن، تعيش أوضاعاً صعبة". ويشير إلى أنّ "مصر التي تملك أكبر جيش عربي، حالتها يرثى لها، فهي متورطة بمشكلة سيناء ومستنقع العنف هناك، فيما وضعها الداخلي صعب جداً، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، ولا يوجد لديها ترف الوقت لقيادة مثل هذا التحالف". ويضيف "أما السعودية، فهي متورطة بحرب اليمن، وفتحت على نفسها باب الصراع مع الحوثيين منذ سنوات، من دون الوصول إلى نتيجة أو حتى رؤية النور داخل هذا النفق. فيما وضع الأردن معروف: معاناة اقتصادية، فضلاً عن أنّ القضية الأهم بالنسبة لعمان هي حلّ القضية الفلسطينية، وصفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، وبالتالي ليس بين هذه الدول دولة واحدة قادرة على أن تتولّى زمام المبادرة أو لديها القدرة على قيادة هذا الحلف".

ويستطرد الدويري "السعودية لديها المال وتفتقد للجيش، ومثلها الإمارات، التي لا قبول لها في البيئة العربية. أما مصر، فأمامها صفقة القرن والتي من الممكن أن تكون أرض في سيناء جزءاً منها"، مشيراً إلى أنّ "الحالة العربية حالة هوان ومذلة، وهذا يعني أنّ هذه الدول ستحاول مداواة الآلام، وليس الدخول في مشاريع جديدة". ويتساءل هل الدول العربية متفقة مع بعضها؟ موضحاً "العلاقة التوافقية أقرب ما تبدو في الظاهر بين السعودية والإمارات، ولكن الأجندة بين الدولتين في اليمن مختلفة، وتوافق الجهتين مع مصر غير دقيق، فهناك خلافات عديدة".
ويقول "نحن في الأردن لسنا على وفاق مع السعودية والإمارات، فالموقف من الوصاية الهاشمية على القدس يكشف ذلك"، متسائلاً "في ظلّ كل هذه الخلافات بين دول المنطقة، كيف سيتم إنشاء هذا الحلف أو التنظيم؟".
ويواصل الدويري التساؤل بالقول "من هو العدو؟"، مجيباً "إيران عدو نعم، لكن إسرائيل عدو سابق على إيران، وكيان طارئ على المنطقة له 70 عاماً، فيما بيننا وبين إيران تاريخ ممتد لآلاف السنين، ولا نستطيع نحن إلغائها ولا هي تستطيع إلغاءنا". ويتابع "الصراع مع إيران له مظهر مذهبي، لكنه في الحقيقة صراع حضاري، أمّا صراعنا مع إسرائيل، فهو صراع مع مستعمر استلب الأرض، وهذا يعني أنّ الأولوية لمواجهة تل أبيب وليس طهران".
بدوره، لا يتوقّع الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني، اللواء المتقاعد جلال العبادي، النجاح لهذا الحلف. ويقول في مقابلة مع "العربي الجديد"، إنّ "الحديث عن محور لمواجهة إيران بدرجة أساسية، هو محاولة لتغيير البوصلة عن العدو الأساسي للدول العربية المتمثّل بإسرائيل. فالخطر الإسرائيلي هو الذي يهددنا، خصوصاً مع الحديث الحالي عن صفقة القرن".
ويشير العبادي إلى أنّ "المشاريع الأميركية هدفها تخفيف الضغط عن إسرائيل، وقضيتنا مع الأخيرة وليس مع إيران، ولسنا بحاجة لمزيد من الأعداء". وبالنسبة إليه، فإنّ هذا الحلف، والذي كان في البداية يُسوّق له على أنه لمكافحة الإرهاب، "هو محاولة أميركية لجعلنا نواجه إيران نيابة عنها"، مضيفاً "لنكن واضحين حتى لا نُغرق الأمة، إيران دولة قوية واستراتيجية، ولديها إمكانيات عسكرية كبيرة، وهي التي تصنع أسلحتها". ويتابع "نحن ضد الأهداف التوسعية لطهران في المنطقة، لكن كل دولة في العالم لها طموح، وإيران لديها أهداف إقليمية كثيرة ومحورية، لأن المنطقة فيها ضعف عربي، تستغله طهران لمحاولة ملء الفراغ الموجود"، مؤكداً أنّ الحلف العربي غير قادر على محاربة إيران.
ووفقاً للعبادي، فإنّه يفضّل أن يكون الأردن بعيداً عن هذا الحلف "فنحن لا نملك القوة العسكرية أو الاقتصادية لمواجهة إيران، ولسنا بحاجة إلى خلق مزيد من العداء لوضع نفسنا في موقف محرج".
وفي السياق، يستعرض العبادي الحرب في اليمن كمثال واقع على مشاريع التحالفات العربية، موضحاً أن "جميع الدول التي أعلنت مشاركتها في التحالف العربي انسحبت منه، ولم يبق إلا السعودية التي تدافع عن حدودها الجنوبية، والإمارات التي لها مصالح خاصة في جنوب اليمن". ويلفت العبادي إلى أنّ "هذه الحرب أصبحت تواجه برفض دولي بسبب نتائجها السلبية على الشعب اليمني، وما سببته من قتل ودمار"، مشيراً إلى أنّ "الأردن كان يشارك في هذه الحرب بست طائرات وانسحب، كما بعض الدول الأخرى، خصوصاً أنّ الاعتقاد في البداية كان أنّ هذه الحرب ستنتهي سريعاً".

المساهمون