مارتن شولتز... "سيّد أوروبا" يهجر الاتحاد لتصدُّر المشهد الألماني

28 ديسمبر 2016
شولتز قد يشغل منصب وزير خارجية ألمانيا(أدام بري/Getty)
+ الخط -
يأتي إعلان عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، مارتن شولتز، عزوفه عن الترشح لولاية ثالثة كرئيس للبرلمان الأوروبي وانتقاله إلى برلين، ليحسم نيته بالتوجه للمشاركة في السياسة الاتحادية الألمانية وخوضه الانتخابات العامة المقررة خريف العام المقبل على رأس قائمة ولاية شمال الراين ويستفاليا التي يتحدر منها وتدرّج فيها سياسياً منذ عام 1974. ومن المنتظر أن يعلن شولتز عما إذا كان سيترشح لمنصب مستشار أو أنه سيتولى منصب وزير خارجية بلاده، بعدما تم التوافق على انتخاب وزير الخارجية الحالي، فرانك فالتر شتاينماير، رئيساً مقبلاً لجمهورية ألمانيا الاتحادية.

وفقاً لخبراء في الشؤون الداخلية الألمانية فإن شولتز أفضل من أي شخص آخر في حزبه ليشغل منصب وزير الخارجية، وذلك بفعل خبرته وإلمامه بالتحديات السياسية الخارجية الأوروبية وإتقانه لستّ لغات، بينها الإيطالية والإسبانية والهولندية. وفي الوقت ذاته، يفتقر إلى الخبرة السياسية المحلية، لا سيما أنه لم يشغل أي منصب سياسي محلي من قبل، إذ قضى حياته السياسية منهمكاً في سياسات الاتحاد الأوروبي، فيما شغل فقط في وقت سابق، منصب رئيس بلدية في مسقط رأسه، فورسلن، قرب آخن.

ولم يتردد شولتز في التعهد بأنه سيقاتل على المستوى الوطني للمشروع الأوروبي، مؤكداً أن الوحدة الأوروبية في نظره أكبر مشروع حضاري في القرن الماضي. وتميز خلال توليه للمنصب الأوروبي بالكثير من الالتزام والوضوح والمصداقية، وبدرايته الكافية في القضايا الخارجية وبعلاقاته مع اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية، نظراً لدخوله البرلمان الأوروبي منذ أكثر من 20 عاماً، وهو ما أكسبه شعبية في ألمانيا.

ويزداد رصيده الشعبي بشكل ملحوظ في وقت لم ينل فيه زعيم حزبه، زيغمار غابريال، أي تقدم يذكر في استطلاع الرأي، منذ مايو/أيار الماضي. ويحظي شولتز داخل الأحزاب الأخرى، كاليسار والخضر، بنسبة تعاطف يفتقدها غابريال. ويبيّن آخر استطلاع للرأي أجراه معهد "فالن"، أن 63 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، يفضلون إعادة فوز المستشارة الحالية، أنجيلا ميركل. لكن المفارقة أن شولتز تقدم على زعيم حزبه والمرشح المفترض لمنصب المستشار، غابريال، مع حصول الأول على نسبة 39 في المائة مقابل 25 في المائة للثاني، وفق الاستطلاع.

يُذكر أن المطالبة تتزايد بعدم استمرار الحزب الاشتراكي الديمقراطي كشريك صغير في الحكومة الألمانية. كذلك يكثر الحديث عن احتمال استغناء هذا الحزب عن تقديم مرشح له لمنصب المستشارية ضد ميركل، تحت ذريعة أن مرشح الحزب ليس لديه أي فرصة حقيقية بالفوز. كما يدرك الحزب أن الوضع في البلاد يشي بحال من الترقب بفعل بقاء العديد من الملفات عالقة، في وقت يبقى فيه المطلوب من الفائز إحداث صدمة إيجابية تعيد الثقة للمواطن الألماني بعيداً عن الحلول الآنية والتي جاءت كردّ فعل.

ويلفت خبراء إلى أن الحزب الاشتراكي، بوصفه شريكاً في الائتلاف الحاكم، كان له اليد الطولى في السياسات المتبعة. وبالنسبة إليهم، يتحمل مسؤولية جزئية عن تمدد الحركات والأحزاب اليمينية في ألمانيا، وفي إضعاف النقابات من خلال فقدان العمل لمرتكزاته الأساسية والاهتمام بالملفات الخارجية على حساب الداخلية، ومنها ملف اللاجئين والعلاقة مع روسيا والأزمات الاقتصادية في أوروبا.

في المقابل، يقول آخرون إنه يمكن لشولتز أن يمثل الأمل لألمانيا والبديل الحقيقي لما يتمتع به من مصداقية، فضلاً عن القدرات الشخصية التي يتمتع بها.
ويشير البعض إلى قوة الإرادة والقدرة على التحمل لدى شولتز، الذي كان قد تمرد على مشكلة شخصية عانى منها في الماضي، بعدما منعته إصابته من خوض غمار الاحتراف في لعبة كرة القدم، حين كان يشغل مركز الظهير الأيسر السابق لنادي بلدته فورسلن. وتمكن من تجاوز الإحباط، خلال وقت قصير، وتخلص من الإدمان على الكحول، بعدما كان وصل به الأمر للتفكير بالانتحار، بحسب ما ذكرت صحيفة "برلينر تسايتونغ".

شولتز الذي تنتهي ولايته الأوروبية في 17 يناير/كانون الثاني المقبل، توجد لديه قناعة بضرورة مواصلة تعزيز فكرة أوروبا الموحدة، على الرغم من أن بعض التقارير الإعلامية ذكرت أخيراً، أنه قرر الانسحاب بعدما بدا أن لا مستقبل له في بروكسل.
على أي حال، يعتقد الخبراء أنه ليس من الصعب على "سيّد أوروبا"، كما يلقب في الإعلام، بأن يصبح سيّد ألمانيا، لما يتمتع به هذا السياسي من خبرة كافية على المستوى الدولي. وهو الذي عُرف بدفاعه عن فكرة الديمقراطية الأوروبية، وبمقاربته وتعاطيه مع العديد من الأزمات الأوروبية. كلها أمور تركت انطباعاً جيداً في بروكسل، جعلته يتفاخر بما حقق من قواسم مشتركة بين الحلفاء والخصوم والديكتاتوريات والديمقراطيات، وفتح الحدود بين أكبر سوق في العالم، ناهيك عما تم تحقيقه في مجال حقوق الإنسان.

ويرى محللون في عودة شولتز إلى المعترك السياسي الألماني قيمة مضافة لحزبه، لا سيما أنه يتمتع بشعبية متزايدة في ألمانيا. وقد أظهرت زياراته الخارجية، أخيراً، أن "سيّد أوروبا" يحظى بالكثير من الحنكة السياسية، وهو ما أكد عليه رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، من بروكسل، عندما أعلن عن أسفه لمغادرة شولتز لمنصبه قريباً، موضحاً أنه كان مكسباً لأوروبا.

في موازاة ذلك، يقول مطلعون إن النقاش داخل لجان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني غير مشجع، ولا يعطي أفضلية لشولتز، لا سيما أن العديد من الملفات الضاغطة المطروحة متشابكة وتتطلب الكثير من الخطط والاستراتيجيات لمواجهتها، في مقدمها الملفات الداخلية، مثل نظام التقاعد والبطالة والأمن الداخلي والاجتماعي والاقتصادي.

وفيما ينظر كثيرون إلى شولتز كـ"صندوق أسود" في السياسة الأوروبية، من دون التقليل من قوته الدبلوماسية، لا يزال غابريال في نظر طيف واسع من الألمان والاشتراكيين الديمقراطيين، يمثل القيادي الذي يعرف الكثير من الحيل التكتيكية، نظراً لخبرته في الملفات الداخلية التي ألِفَ يومياتها، وبحكم تعاطيه الدائم مع المستشارة ميركل، ناهيك عن اطلاعه على الاتفاقات التجارية الخارجية بصفته وزيراً حالياً للاقتصاد، فضلاً عن تلك الملفات الحساسة، كتصدير الأسلحة. وقد برهن أخيراً، عن خبرة مكّنته من إقناع الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحاكم، بالقبول بوصول عضو حزبه وزير الخارجية، فرانك فالتر شتاينماير، إلى سدة الرئاسة، والتي سيتسلمها في شهر فبراير/شباط 2017.

وحتى اللحظة تبقى الأمور في حال من الغموض وغير واضحة، ريثما يعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي نهاية شهر يناير/كانون الثاني المقبل، ما إذا كان سيقدم مرشحاً آخر لمنصب المستشارية، على الرغم من أن أوساط حزبية تقول إن هناك خطة مشتركة لغابريال وشولتز، في ظل تكهنات تفيد بأن هناك تردداً في الإعلان عن المرشح لأن الحقيقة تقضي بأن يتحمل المسؤولية عن الهزيمة المتوقعة.
المساهمون