العراق: تشتُّت الجبهات ضد "داعش" يؤخّر حسم المعارك

26 يونيو 2016
تراجعت القوات العراقية في جبهات عدّة بالرمادي(حيدر علي/فرانس برس)
+ الخط -
تحاول الحكومة العراقية لفت الأنظار إلى القوات الأمنيّة العراقية المشتركة على أنّها تمتلك القدرة على حسم المعارك ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإمكانيتها في إدارة جبهات عدة في وقت واحد، الأمر الذي دفعها إلى فتح جبهة الموصل (شمال العراق)، في وقت لا تزال فيه المعارك محتدمة في الفلوجة (شمال غرب بغداد).

ووفقاً لمسؤولين عسكريين، فإنّ القوات العراقية لا تزال تحتاج إلى إعادة التنظيم والإعداد والتجهيز، وبناء العقيدة العسكرية، لتكون مؤهلة لقيادة جبهات متعدّدة ضد "داعش"، وأن تكون قادرة على المناورة على جبهات عدة. وفيما يتحدّث الإعلام الحكومي، بشكل مستمر، عن تقدّم في كافة الجبهات، تشير الوقائع الميدانية إلى تباطؤ وتراجع وخسارة تتعرض لها القوات العراقية في جبهات عدّة، الأمر الذي دفع مختصين أمنيين إلى المطالبة بتوحيد الجبهات، وتعزيز القتال على محور واحد، محذّرين من ضياع جهود القوات العراقية.

ويقول أحد منتسبي وزارة الدفاع العراقية، المقدّم بهاء الرفيعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "فتح الجبهات المتعدّدة في البلاد خطوة غير مدروسة النتائج، وجاءت في وقت حرج للغاية، إذ تخوض فيه القوات العراقية معارك في الفلوجة، والأنبار، وتكريت، وكركوك، لتضاف إليها جبهة جنوب الموصل"، مبيّناً أنّ "هذه الخطوة تفوق قدرة القوات العراقية". ويشير إلى أنّ "هذا القرار اتُخذ من قبل رئيس الحكومة حيدر العبادي حصراً، إذ بعدما أحرزت القوات العراقية تقدماً في معركة الفلوجة وجّه العبادي بفتح جبهة الموصل"، لافتاً إلى أنّ "القرار قد تكون له تداعيات سلبيّة على الواقع الميداني في جبهات القتال".

وتؤكّد مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، "ضعف التقدّم بالنسبة للقوات العراقية في أغلب تلك الجبهات، فضلاً عن خسارة جبهات جديدة". وتقول هذه المصادر إنّ "تنظيم داعش استغلّ فتح الجبهات المتعدّدة وما تبعه من سحب قوات عسكريّة من جبهات أخرى، ليعزز جبهات المواجهة لديه ويتقدّم في بعضها"، موضحة أنّ "التنظيم استطاع، أخيراً، السيطرة على بلدات زنكورة، والبو ريشة، وطوي شمال الرمادي، بعدما عجزت القوات العراقية عن حمايتها وانتزاعها منه".





وتلفت المصادر الميدانية إلى أنّ "التنظيم يشن هجمات في محاور عدة من محافظة الأنبار، كما أنّه استطاع عرقلة تقدم القوات العراقية في الفلوجة ويسعى لمنع السيطرة الكاملة على المدينة". وتوضح أنّ "المعارك التي تخوضها القوات العراقية جنوب الموصل وشمال صلاح الدين لم تحقق نتائج تُذكر، سوى السيطرة على بعض القرى التي لا تشكّل أهمية عسكرية بالنسبة للموصل، بينما فشلت القوات في التقدّم نحو القيّارة ومناطق جنوبي الموصل".

من جهته، يرى عضو لجنة الأمن البرلمانية حسن جهاد، أنّ "استغلال انكسار معنويات داعش في الفلوجة أمر مهم بالنسبة للقوات العراقية، لكنّه يستدعي وضع خطة مدروسة قبل أي تحرّك". ويقول جهاد لـ"العربي الجديد" إنّ "القوات العراقية استطاعت أن تقتحم الفلوجة وتكسر تنظيم داعش، وإنْ كانت لم تتمكّن من حسم المعركة حتى الآن، لكنها حاولت استغلال ذلك بفتح جبهة جنوب الموصل وشمال صلاح الدين لتحقيق مكاسب جديدة". وينبّه إلى أنّ "فتح هذه الجبهات الحساسة أمر مهم للغاية، لكن يجب على القادة الأمنيّين أن يدرسوا إمكانيّة القوات العراقية بشكل جيّد، وأن يحسبوا نتائج هذه التحركات قبل التقدّم فيها".

بدوره، يعتبر الضابط برتبة لواء في الجيش العراقي السابق، الخبير العسكري عبد الرحمن الريشاوي، أنّ "فتح جبهات متعدّدة يتطلب جيشاً وقوات نظامية مؤهلة عسكريّاً". ويقول الريشاوي لـ"العربي الجديد" إنّ "العبادي يحاول تلميع صورة القوات العراقية، بإبراز قدرتها على حماية البلد وفرض سيطرتها على أطرافه، لكنّه يغامر عسكرياً بنتائج غير محسوبة"، مبيّنا أنّ "العبادي يتكئ على جيش يفقد أغلب المؤهلات العسكريّة، والمقومات اللوجستيّة الأخرى، الأمر الذي يجعل من فتح الجبهات أمراً محفوفاً بالمخاطر". ويوصي الريشاوي العبادي "بإعادة تنظيم استراتيجيّته العسكريّة وأن يعيد حسابات المعركة من جديد، قبل أن يتحمل نتائج سلبية في جبهات المعارك ضدّ التنظيم".

ولم تستطع القوات العراقيّة إحراز تقدّم في جبهات جنوب الموصل وشمال صلاح الدين، بعد نحو 10 أيّام على تحركها باتجاهها، كما تراجعت في جبهات عدّة في الرمادي. فيما تحاول مليشيات "الحشد الشعبي" انتهاز فرصة أي إخفاق قد يحدث للقوات العراقية في جبهة الموصل واستغلالها، لزج نفسها واشتراكها في معركة تحرير المحافظة، على الرغم من تصويت مجلس الموصل على رفض أي مشاركة لها. وطالب قادة "الحشد"، أخيراً، بـ"فتح تحقيق عاجل بخصوص الانتكاسة الأمنيّة للقوات العراقية في معركة القيّارة جنوب الموصل"، محمّلين العبادي "مسؤولية فتح معركة جديدة قبل حسم معركة الفلوجة بشكل نهائي، الأمر الذي يتيح لداعش فرصة تنظيم صفوفه".