وبدأ هذا الجدل منذ كشف غلوكسمان، في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي على "تويتر" و"فيسبوك"، عن إدراج الحراك والأوضاع في الجزائر ضمن مناقشات البرلمان الأوروبي وتخصيص جلسة نقاش للموضوع. وكتب غلوكسمان الذي عاش فترة في الجزائر كمراسل لصحيفة فرنسية: "سيكون هناك نقاش حول الجزائر وقرار طارئ الأسبوع المقبل في ستراسبورغ"، ووصف الحراك الجزائري بأنه مثالي وسيساهم في تغيير حتمي لمنطقة المتوسط.
Facebook Post |
ويرفض نشطاء الحراك الشعبي بشكل قاطع أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، ويعترضون على نقل أو فتح أي نقاش في الخارج، ففي أعينهم كل محاولة لتدويل الوضع في الجزائر تظل خطوة موجهة ضد الحراك نفسه، حيث "يوفر للسلطة مبررات سياسية لخطابها التبريري والمستند إلى فكرة المؤامرة وإعادة طرح الأسطوانة المشروخة نفسها"، بحسب ما يعتقده نور الدين خدير، المتحدث باسم "منبر الوطنيين الأحرار"، وهو من فعاليات الحراك.
خدير أضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك الشعبي لم ينتظر تحرك الاتحاد الأوروبي ليعلن رفضه التدخل الأجنبي، بل ومنذ الجمعات الأولى في فبراير/ شباط ومارس/ آذار (أيام الحراك الأولى) كانت الشعارات واضحة برفض أي تدخل أجنبي، في الوقت الذي كانت السلطة هي المبادرة بتدويل الوضع الجزائري وأوفدت نائب رئيس الحكومة حينها رمضان لعمامرة إلى موسكو والدول الغربية لشرح الموقف".
وأشار خدير إلى أن "السلطة الحالية بإدارتها الأحادية والعرجاء هي التي أوصلتنا لاستفزازات كهذه، أضف إلى ذلك اتفاقيات الجزائر مع الاتحاد الأوروبي ومختلف الهيئات الدولية، منها البرلمان الأوروبي، تتيح لها مناقشة أوضاع الحريات وحقوق الإنسان بالبلدان الموقعة"، معتبرا أنه "مع تزايد التضييق الإعلامي وقمع المظاهرات والاعتقالات تجد هذه الهيئات الذريعة للابتزاز وخلق منابر للضغط وكسب أوراق أكثر والتفاوض على مصالحها لا أكثر".
ولا يبدي كثير من ناشطي الحراك قلقا إزاء المواقف الأجنبية، ويعتبرون أنها ليست ذات تأثير على التطورات الداخلية، وخاصة أن هذه المواقف الغربية تظل هامشية وفي الغالب مبادرات فردية أكثر منها مبادرات تتعلق بالمؤسسات الدولية.
ويذهب الناشط في "تجمع شباب من أجل الجزائر"، خياط هشام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى التأكيد على أن "السلطة الجزائرية تدرك جيدا أن الأغلبية الغالبية من المكونات الوطنية لديها موقف مبدئي من التدخلات الأجنبية"، موضحا أن "الشعب الجزائري مفطوم على رفض التدخل الأجنبي، لعوامل تاريخية تعود إلى ثورة التحرير وإلى ظروف راهنة، حيث يشهد الجزائريون أن التدخلات الأجنبية وتدويل القضايا الوطنية، كما حدث في دول الربيع العربي، لم تحمل لهذه الشعوب والدول سوى الخراب"، مضيفا أن "الجميع يعلم أن الدول والمؤسسات الغربية لا تتحرك إلا لخدمة مصالحها في كل الأوضاع والظروف".
ويشير هشام إلى أنه في ظل عدم وجود أي خلاف على رفض أي خطوة من البرلمان الأوروبي لمناقشة الوضع في الجزائر، فإن "السلطة الحاكمة في الجزائر هي التي تقوم ميدانيا بتدويل الوضع في الجزائر. رأينا رئيس الدولة عبد القادر بن صالح يناقش الوضع في الجزائر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسابيع، كما نستطيع أن نعتبر أن المصادقة على قانون المحروقات هو جزء من التدويل لشراء الصمت الغربي إزاء المسار الانتخابي الذي تفرضه السلطة على الجزائريين".
وتابع قائلا إن "السلطة تلعب على الحبلين، تفكر بذهنية أمنية من حيث قمع الناشطين وملاحقتهم ورفض الاستجابة لمطالب الحراك، ومن جهة أخرى تصنف كل دعوة دعم للحراك ودعوة لإقامة الحريات بأنها مؤامرة".
من جانبه، أعلن رئيس المجلس المستقل لأساتذة الجامعة عبد الحفيظ ميلاط، المشارك في الحراك منذ فبراير/ شباط الماضي، عن رفض المجلس للخطوة الأوروبية، ونشر تغريدة دعا فيها البرلمان الأوروبي إلى عقد جلسات لمناقشة الأوضاع في الدول الأعضاء، بما فيها أحداث السترات الصفراء بفرنسا، التي تشهد اعتقالات ومقتل متظاهرين بدلا من مناقشة الوضع السلمي في الجزائر. وبادرت النقابة المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية في بيان رسمي إلى إعلان استبعادها للنقابي رشيد معلاوي، على خلفية موافقته على إقامة البرلمان الأوروبي جلسته حول الوضع في الجزائر.
وخارج الحراك، توسع الرفض السياسي من مجموع الأحزاب والمنظمات الموالية للسلطة إلى قوى المعارضة نفسها، حيث اعتبرت "حركة مجتمع السلم" أن الظرف الداخلي الذي تمر به الجزائر شأن داخلي، وأن الأمة الجزائرية ستقف ضد أي مطامع أجنبية، ودعت "نواب البرلمان الأوروبي ومن يقف وراءهم إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والكف عن زرع الشكوك من خلال المحاولات التي ينتهجونها للاستثمار في مشاكل الدول".
وأكدت حملة المترشح للانتخابات الرئاسية، عبد القادر بن قرينة، أنه أبلغ وفدا دبلوماسيا ضم سفراء كل من ألمانيا وهولندا وبلجيكا، خلال لقائه معهم، الأحد، رفضه للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي تحت أي مبرر، خاصة إقدام البرلمان الأوروبي على تخصيص جلسة لمناقشة الوضع في الجزائر.
وقال رئيس الحكومة السابق والمرشح الرئاسي، عبد المجيد تبون، خلال منتدى سياسي، عقده الأحد، إنه لا يرى مبررا لفتح نقاش في البرلمان الأوروبي حول الجزائر، متسائلا "هل وجدونا نأكل بعضنا بعضا؟ هل ما زال هناك فكر استعماري يعتبرنا شعوبا من الدرجة الثانية؟".
وزعم أن بعض الدول الأوروبية هي التي تستحق أن تكون محل نقاش "لا توجد دولة في أوروبا تجري فيها مسيرات لمدة تسعة أشهر دون سقوط قطرة دم واحدة، نحن نشاهد اليوم في أوروبا مسيرات تستعمل فيها الغازات المسيلة للدموع واستعمال عصي قوى الأمن".
وهذه هي المرة الثانية التي يثار فيها جدل سياسي وإعلامي بشأن محاولة تدويل الوضع في الجزائر، بعد خطوة سابقة طرحتها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، ماري أرينا، لتنظيم جلسة سماع خاصة مع بعض الفاعلين في الحراك حول الوضع في الجزائر.