الأجر الزهيد شوك الحقول:مليون عامل زراعي مغربي بلا مساواة

09 مايو 2016
عمال زراعيون في أحد حقول المغرب (Getty)
+ الخط -
حلت، نهاية الشهر الماضي، الذكرى الخامسة لاتفاق 26 نيسان/أبريل 2011 الأشهر في تاريخ الاتفاقات بين الحكومة المغربية والاتحادات العمالية. وأرسى الاتفاق عدداً من الالتزامات الحكومية تجاه الطبقة العاملة بشكل غير مسبوق، لكن الكثير من تفاصيله ظلت مجرد حبر على ورق، ولم تر النور إلى اليوم، ومن بينها الاتفاق الذي نص على حق العمال الزراعيين في أجر يتساوى مع نظرائهم في قطاعات الصناعة والخدمات والتجارة، مما يعني إنهاء عقود من الحيف تجاه أكثر من مليون عامل زراعي منتشر في مختلف ولايات المملكة.
إعلان حكومة الوزير الأول، عباس الفاسي، سنة 2011 على قبولها مبدأ المساواة بين جميع أصناف الشغيلة، كان مفاجئاً للجميع، بل كان مفاجئاً حتى للاتحادات العمالية التي تساند العمال الزراعيين خاصة مع قبول الحكومة بالعديد من الالتزامات، التي كان يبدو تنفيذها مستحيلاً أو يحتاج إلى رصد اعتمادات مالية مهمة من خزينة الدولة، لكنها مع ذلك أقرت مبدأ المساواة على أساس أن يبدأ العمل به في 2012.
اليوم، وبعد أكثر من 5 سنوات، لا يزال الملف يراوح مكانه ولا يزال العمال الزراعيون مجبرين على القبول بأجر يومي في حدود 69 درهماً (حوالى 7 دولارات) ما يعني فارقا بواقع 29 درهماً (3 دولارات) ، عن الأجور التي يتلقاها العاملون في قطاعات أخرى، والذين يتقاضون أجراً يومياً يرتفع ليصل إلى 98 درهماً (10 دولارات).
"العربي الجديد" استقت رأي وزير التشغيل المغربي، عبد السلام الصديقي، حول من يعيق تنفيذ الالتزام الحكومي السابق وتوحيد الأجور في القطاع الزراعي، فكان جوابه: "أكيد أن إجراء الاتفاق حول توحيد الحد الأدنى للأجور بين جميع القطاعات أمر غير هين، لأن القطاع الزراعي قطاع حساس ويخضع للتقلبات على خلاف القطاع الصناعي. وهذا يستلزم معالجة خاصة تأخذ بالاعتبار كل الإكراهات الموجودة، لكن في اعتقادي أن هناك رغبة واستعداداً لدى جميع الفرقاء، بمن فيهم ممثلو المنتجين لتقليص الهوة بصفة تدريجية".

ويضيف الوزير: "ليس هناك اختلاف حول المبدأ لكن يجب تنفيذه بشكل تدريجي على ثلاث أو أربع سنوات، وفي رأيي حان الوقت للشروع في هذه الورشة، لكن على أساس التوافق بين جميع الأطراف، مع التشديد على ضرورة الفصل بين النشاط الزراعي وبين الصناعة التحويلية للمنتجات الفلاحية، التي يجب أن تخضع فوراً للشروط نفسها المطبقة على القطاعات الصناعية الأخرى".

بلا ضمان اجتماعي
يقول العامل الزراعي، عبد النبي رشيد، وهو واحد من العمال الزراعيين في ضيعة في مدينة برشيد (جنوب الدار البيضاء) لـ "العربي الجديد"، إن "مجموع ما يتقاضاه من أجر أسبوعي يصل إلى قرابة 400 درهم (40 دولاراً)، بل في بعض المواسم قد يقل هذا الأجر بسبب حالة الركود التي تشهدها الأرض، خاصة في الفترات التي تفصل بين دورة إنتاجية وأخرى".

ويضيف: "غالباً ما أفكر في تغيير نشاطي المهني إلى حرفة أخرى توفر مدخولاً أفضل، سواء في البناء أو في المعامل المنتشرة في مدينة برشيد، حيث يمكن ضمان أجر أعلى والانخراط في نظام الضمان الاجتماعي، الذي يحرمنا منه صاحب الأرض، لكن في كل مرة أفشل في ترك عملي الذي مارسته طيلة 25 سنة. ربما لم أعد قادراً على بدء تجربة جديدة وأنا في الخمسينات من عمري".
عبد النبي نموذج لآلاف العمال الزراعيين الذي يشتغلون في ضيعات ومشاريع فلاحية يملكها مغاربة وأجانب، ممن يفرض القانون توصلهم بأجر لا يقل عن نظرائهم في القطاعات الأخرى، بل إن الأمر يزداد سوءاً حين يتعلق الأمر بالنساء إذ في أحيان كثيرة يكون عليهن القبول بأجر أقل من الأجر القانوني، ويصير معلقاً أكثر بمزاجية صاحب العمل وبالطلب على اليد العاملة، خاصة في المواسم التي تشهد ضعفا في الإنتاجية.
وتقول السعدية بوطوالة، وهي عاملة زراعية أيضاً، لـ "العربي الجديد": "في كثير من الأحيان نكون رهينات مزاجية صاحب العمل أو الكابران (مسؤول العمال في الضيعة)، وحتى لو كنا محظوظات وتسلمنا أجورنا غير منقوصة فسيكون علينا كمقابل الاشتغال ساعات أكثر في اليوم، حيث نبدأ نهارنا قبل الفجر لنختمه مع المغيب. ولا مجال للاحتجاج أو المطالبة بتطبيق القانون لأن العشرات من المياومين، ممن يبحثون عن عمل، منتشرون في (الموقف) وينتظرون من يقلهم إلى الأراضي الزراعية".
الأسبوع الماضي، فقط، عاد ملف العمال الزراعيين إلى الواجهة بقوة بعد سنوات من الركود كان خلالها صوت وحيد يسمع هو صوت الاتحادات العمالية للمزارعين وأهمها الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، أكبر نقابة زراعية وأوسعها تمثيلية في المغرب، التي ترى أن التمييز الذي يطال العمال الزراعيين في مسألة الحد الأدنى للأجر هو تمييز قانوني، وهذا يفرض تعديل القانون الذي يكرس أيضاً ظلماً يتعلق بالعدد القانوني لساعات العمل الأسبوعية التي تحدد 44 ساعة في الأسبوع بالنسبة إلى القطاع الصناعي والخدماتي، في حين ترتفع إلى 48 في الأسبوع بالنسبة إلى العمال الزراعيين، دون إغفال ضعف التغطية الاجتماعية، وعدم تفعيل قانون الشغل في النزاعات الاجتماعية، وظروف العمل التي لا تحترم فيها شروط الصحة والسلامة.
عودة الملف إلى التداول كان بسبب تصريح لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي قال فيه إنه لا يرى مانعاً في إعادة النظر في أجور العمال الزراعيين، لكنه تدارك بالقول إنه لا يضمن موافقة ملاك الأراضي والمستثمرين الزراعيين على مبدأ توحيد الأجر.
يرى الكاتب العام للجامعة الوطنية للفلاحة، سعيد خير الله، أن: "مطلب توحيد الحد الأدنى للأجور هو مطلب مشروع من منطلق ضرورة المساواة بين المواطنين، في حقوقهم كما في واجباتهم، ومن يقول بعكس ذلك فهو يخالف روح الدستور. ورئيس الحكومة حين يقر أنه مع المبدأ فعليه أن يعمل على تمكين العمال الزراعيين من حقهم الدستوري، وفي رأيي فالأمر أكبر من مجرد كلام، لأن الوقت حان لتنفيذ الالتزامات الحكومية السابقة، التي أقرت مبدأ توحيد الأجر على ثلاث سنوات".


معارضة شرسة
تعذرُ تطبيق مبدأ المساواة في الأجور يفرض طرح السؤال عن المعيق الحقيقي لذلك، خاصة في ظل الاتهامات التي توجهها الاتحادات العمالية لما تصفه بـ "لوبي الباطرونا الزراعية"، التي تمنع أية محاولات لمناقشة هذه القضية على المستوى الحكومي.

يقول الكاتب العام لجامعة الفلاحة: "هناك لوبي زراعي يعارض هذه المساواة بمبرر أن ذلك سينعكس سلباً على كلفة الإنتاج، والتقديرات تشير إلى زيادة بنسبة 40 في المائة في حال اعتماد أجر 98 درهماً لليوم (10 دولارات). وغالباً ما يقدم هؤلاء دفوعات من قبيل أن القطاع الزراعي هو قطاع هش ويرتهن بالتقلبات المناخية، وسوق المنتوج الزراعي غير مضمونة، وهي في رأيي كلها دفوعات غير ذات قيمة لأننا أمام مؤسسات مهيكلة وباستثمارات ضخمة لمواجهة التقلبات المناخية، فضلا عن أنها توجه إنتاجها إلى الأسواق الخارجية ولا تعول كثيرا على السوق الداخلية".
خير الله يشدد أيضاً على أن "المستثمرين الزراعيين يستفيدون وفق كل هذا من إعانات الدولة التي تمكنهم من مليارات الدراهم سنوياً، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية وهذا ما يفرض عليهم اقتسام الفوائد مع العمال والمساهمة في تنمية البوادي، بدل التحجج بحجج واهية، وهنا تبرز مسؤولية الحكومة في فرض تنفيذ الالتزامات".
بدوره، يقول الناطق الرسمي باسم الفدرالية المهنية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر "فيفيل"، عمر منير، لـ "العربي الجديد": "موقفنا معروف في هذا الملف، وضمناه أكثر من بلاغ صادر عن الفيدرالية، وخلاصاته واضحة وهي أن القطاع الزراعي يتميز بخصوصية يتوجب احترامها ولا يمكن بأية حال فرض قرارات لا تتوافق مع هذه الخصوصية".
منير يضيف، جواباً على رفض المهنيين الالتزام بما قرره اتفاق أبريل/نيسان، بالتأكيد على أنه "اتفاق تم بدون استشارة أي تنظيم مهني وبدون حضور ممثلين عن المزارعين، ولهذا كان طبيعياً رفض مضامينه، وهناك مِنْ أصحاب الأراضي الزراعية والمصدرين مَنْ هدد بوقف الإنتاج في حال تمرير القرار دون الأخذ بالاعتبار الإكراهات الكثيرة التي نواجهها".
ويعتبر أصحاب الأراضي والمنتجون مسألة كون القطاع الزراعي في الأساس قطاعاً موسميّاً والأجور فيه تختلف من زراعة لأخرى وحسب المواسم، وطبيعة المنتج.
ويشرح هؤلاء: "في بعض الزراعات مثل الليمون قد يصل أجر العامل إلى 120 درهماً (12 دولاراً) في اليوم، وهو ما يفوق الحد الأدنى للأجر المطبق، وفي بعض المواسم يصل أجر العامل إلى ما بين 160 درهماً (16 دولاراً) إلى 200 درهم (20 دولاراً) في اليوم حسب التخصص، بل بحسب المناطق الزراعية نفسها، ولهذا يكون المستثمر مضطراً للقبول بالأمر وإلا كانت خسائره فادحة".

في هذا الإطار يقول منير: "طلبنا من الحكومة محاورتنا باعتبارنا المعنيين بالملف، وما يردّده النقابيون من تبريرات غير منطقية، لأن طبيعة النشاط الزراعي تختلف عن أي نشاط اقتصادي آخر، لأن النشاط مرتبط بمواسم الإنتاج، ويكفي أن تعلموا أنه في بعض المواسم يضطر المنتجون، بسبب ندرة اليد العاملة، إلى دفع 200 درهم (20 دولاراً) لليوم نظير عمليات الجني، مما يعني أكثر من ثلاثة أضعاف الأجر المنصوص عليه في القانون، وحتى ساعات العمل لا يتم احترامها ونكون مضطرين للقبول بهذه التجاوزات، حتى ننقذ محصولنا ونتمكن من المساهمة في دورة الاقتصاد".
المساهمون