المشاريع الريادية: الإبداع في صورته الخجولة

02 يونيو 2016
(تصوير: محمد أبو غوش)
+ الخط -

في سباق مع الزمن، يبدأ الشباب الأردني منذ بلوغه العشرين رحلة التفكير في المستقبل المجهول، مثقلًا بهموم سداد الأقساط الجامعية والالتزامات العائلية وهو يرى أمامه سوقًا ينهشه مؤشر البطالة الذي يصل إلى حاجز 14.6%، موزعًا بغير إنصاف على 12.7% للذكور و23.7% للإناث، بحسب الأرقام الرسمية المعلنة للربع الأول من عام 2016.

وفيما يصرّ خبراء الاقتصاد على حاجة الأردن لدعم وتعزيز مكانة المشاريع الريادية بهدف الاستثمار في طاقات الشباب وتوفير فرص عمل مناسبة؛ تبقى هذه المشاريع محدودة وذات مساهماتٍ خجولة، إذ تفتقر إلى دعم وتمويل وتوجيه كافٍ، من القطاعين العام والخاص، كما يشير إلى ذلك الخبير في دعم وتدريب الشباب في مجال المشاريع الريادية، صالح الحنش، في حديثه إلى "جيل العربي الجديد":

"في الأردن عدد من الجهات الداعمة للمشاريع الريادية، ولكننا لا زلنا في البداية وأرقامنا بعيدة جداً عن مؤشرات الدول المتقدمة وبعض دول الجوار، ولا تكاد المشاريع الريادية الناجحة في الأردن تعد على أصابع اليد".

وتبدأ مشكلة المشاريع الريادية، بغياب الفكرة أساسًا عن ذهن الشباب، إذ ينحصر دور الجامعات والمعاهد في تبسيط المناهج التعليمية وتغفل دورها في إرشاد الطلبة تجاه تطوير الفكر الابداعي، والعمل على انشاء مشاريعهم الخاصة.

من ناحية أخرى، تعاني هذه المشاريع في معظمها من غياب ثقافة الصبر عند الشباب، إذ إن معظم المشاريع الريادية تنتهي بعد مرور عام على الأكثر من البدء فيها، نظرًا إلى استعجالهم الحصول على نتائج في سبيل توفير الدخل اللازم لالتزاماتهم.

يضيف صالح: "المشروع الريادي هو المشروع الذي يولد من منهجية تفكير قائمة على الملاحظة والبحث عما هو جديد ويخدم المجتمع بطرق حديثة تسهل من حياة المواطن، من خلال وضع خطة عمل متوسطة الأمد لا تقل عن خمسة اعوام. ولكن غياب الاهتمام بتوجيه الشباب نحو هذا المجال ومحدودية دعمه؛ يقلل من فرص ازدياد نسبة المشاريع الريادية".

وفي ظل ندرة هذه المشاريع، يعتبر مشروع "مدفوعاتكم" واحد من الحالات النادرة التي سجلت نجاحًا في الأردن، وهو مشروع قائم على فكرة توفير آلية عمل تسهل على المواطن دفع فواتيره لأي جهة رسمية أو خاصة، من خلال تطبيقات إلكترونية عبر الإنترنت والهاتف الذكي.

يخبرنا محمد أبو العدل، مدير وحدة الاستثمار في الشركة، عن تجربتهم: "نتيجة ملاحظتنا للوقت المهدور في طوابير الانتظار لدفع الفواتير، وغياب تقنيات الدفع الإلكتروني في الدوائر الرسمية والخاصة، ولدت هذه الفكرة الريادية وتمكنا من خلال اقناعنا لجهات داعمة من تبني الفكرة التي أبصرت النور وأخذت بالتطور بوقت قياسي".

إلا أنه ثمة معيقات عديدة أمام الشباب لتأسيس مشاريع ريادية ناجحة، تكمن في صعوبة إقناع الجهات القليلة الداعمة في تبني الأفكار الريادية، إذ تتسم هذه المشاريع بغرابة ما تقدمه؛ ما يشكل مخاطرة بالنسبة للداعمين تحدياً من امكانية موافقتهم على الفكرة.

من ناحية أخرى، يجد الشباب معضلة تتمثل بتدخل الممول ومحاولته فرض أفكاره وأجنداته. يضيف أبو العدل: "من المهم التوجه للمول المناسب، الذي يتقاطع معي بالأفكار ولا يفرض علي آراء تخدم أفكاره، وأن تكون علاقتي معه واضحة وقائمة على المنفعة المتبادلة، مثل أن يكون له 10% من أسهم الشركة، هكذا لن يحدث تدخلات مزعجة، وسيكون الممول حريص على دعمي وتزويدي بالخبرة اللازمة لنحقق الربح معًا، بهذه المنهجية أصبحت شركتنا الصغيرة الآن شريك للبنك المركزي والجمارك وعدة جهات حكومية وخاصة".

ويبقى غياب الدعم الرسمي على صعيدي التوجيه والتمويل، العائق الأكبر أمام تطور دور المشاريع الريادية، فقد بقيت الكثير من المشاريع مجرد أفكار لم تبصر النور، تقول ساهرة عادل، المشرفة على عدة مشاريع تنموية في محافظة معان:

"لدينا في معان مئات الأفكار الريادية والتنموية التي تهدف لخدمة مجتمعنا الذي يعاني من التهميش، ولكننا نصطدم دائماً بحاجز غياب الدعم، فالشركات الخاصة ترفض تقديم الرعاية بحجة عدم وجود سوق مشجّع لمنتجاتها في المحافظة، أما الجهات الحكومية فردها الوحيد هو عدم وجود موازنة لدعم مثل هذه المشاريع".

تعمل ساهرة وفريقها على إنشاء مشاريع ومبادرات تنموية تهدف إلى تمكين الشباب والمرأة في الجنوب عمومًا وفي محافظة معان خصوصًا، من خلال العمل مع إذاعة صوت الجنوب التابعة لجامعة الحسين بن طلال في معان، وقد نفذ الفريق عدة مشاريع خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزها تأسيس فريق للمناظرات، يعمل على فتح أفاق الحوار بين الشباب، ومناقشة قضاياهم وتسليط الضوء عليها، إضافة إلى إزالة الصورة النمطية التي ينظر فيها المجتمع الأردني للمحافظة على أنها عاصمة السلاح والعنف.

كما تمكنت من إطلاق مشروع "منا وفينا" التي تقوم فكرته على انتاج أفلام وثائقية قصيرة ترصد قضايا الشباب في المحافظة، إلا أن هذه المشاريع ما كانت لترى النور لولا أن قررت المجموعة التوجه للحصول على دعم وتمويل أجنبي، تضيف ساهرة: "لم نجد مفر من التعامل مع جهات أجنبية لتبني أفكارنا وتمويلها، ولكننا وضعنا شروطًا تتعلق باختيار الممولين، أولها ضمان عدم تدخل الممول في محتوى ومضمون المبادرات حرصا على تجنب اي اجندات خارجية او اهداف سياسية لا تتقاطع مع رؤيتنا. ومن تجربتنا أصبح لدينا قائمة بعدد من الجهات الممولة التي لا يمكن ان نتعامل معها حتى لو اضطررنا لإلغاء المشروع."

وفي ظل ما يعانيه الشباب من بطالة ومحدودية في فرص العمل؛ يرى صالح الحنش، أنه ثمة مسؤولية تقع على عاتق الحكومة والمستثمرين، تتمثل بضرورة التركيز على استقطاب الشباب وتوعيتهم لأهمية التفكير بمشاريع ريادية، وأن يوفروا لهم الدعم الفني والمالي اللازم، كما هو الحال في بعض صناديق التنمية القائمة حاليا، مثل صندوق الملك عبد الله للتنمية ومجموعة Oasis 500”" والتي تحتاج الى تطوير وانتشار أكبر وحملات تعريف بها، إذ أن معظم الشباب لا يعرفون بوجودها أو لم تصلهم الفكرة التي تعمل من خلالها. كما يجب على الجامعات القيام بدورها ليس على الصعيد الأكاديمي فحسب، بل أن يكون لها دور رئيسي في توجيه الطلبة وهم على مقاعد الدراسة للتعرف على هذه الجهات الداعمة، بحيث يتخرج الشباب وهم يحملون شهادة وفكرة وطموح أيضًا، عوضًا عن اليأس الذي ينظرون من خلاله في الوضع الراهن.


(الأردن)

المساهمون