عرب المهاجر.. سنة اللجوء والعين على الأوطان الأصلية

02 يناير 2016
محاولة مضنية لعبور الحدود(Getty)
+ الخط -
تبدو المشتركات بين تلك الدول التي يقيم فيها الملايين من العرب والمسلمين واضحة وجلية في تقدم اليمين المتشدد، مع تشديدات قانونية تطاول القادمين الجدد من اللاجئين الذين وصل رقمهم بنهاية العام ما يفوق المليون إنسان. هذا التقدم اليميني لم يكن التحدي الوحيد الذي واجهته الجاليات العربية في عدد من الدول.
ففي إيطاليا وإسبانيا واليونان جنوب القارة الأوروبية كانت الأزمات الاقتصادية واحدة من التحديات الأكثر إلحاحا منذ سنوات الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي في 2008، آخذين بالاعتبار بأن معظم أفراد الجاليات في تلك الدول، وخصوصا الجارتين إيطاليا وإسبانيا تعتمد كثيرا على التوظيف للأيدي العاملة ما أثر بالفعل على حالة الجالية العربية والمسلمة في إيطاليا كمرتبة أولى من بين التحديات التي ظهرت.
وليس بعيدا عن التحدي الاقتصادي جاء تحدي المشاكل المرافقة لـ "الإرهاب" الذي ضرب عدد من الدول الأوروبية، وخاصة ما حدث في فرنسا في بداية العام في صحيفة شارلي إيبدو وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في باريس، حيث وجدت الجاليات العربية والمسلمة نفسها، كما في كل ساحات انتشارها، في موقع الدفاع والتبرير بأن هذه الأعمال لا تمثل الإسلام والمسلمين والعرب.

الإيطاليون على الخطى

اتخذ اليمين المتشدد، والأخطر مجموعات اليمين العنصري الجديد، من الإرهاب حجة لتسويق خطابه الذي لاقى رواجاً في أوساط المجتمع الإيطالي.
ويؤكد الدكتور أدهم كحلاوي، في قسم الاقتصاد بجامعة فلورنسا، لـ"العربي الجديد" بوضوح بأن تأثير الأزمة الاقتصادية على دخل إفراد الجاليات العربية في إيطاليا في عام 2015 حيث تجلت انعكاسات الأزمة على أبناء الجاليات العربية في إيطاليا في ارتفاع نسبة البطالة وفقدان عدد كبير منهم لأعمالهم، الأمر الذي قاد إلى تدهور ظروفهم الاقتصادية، وكذلك انخفاض حجم تحويلاتهم لبلدانهم الأصلية، وتراجع مستوى عيشهم وتزايد حجم الفقر في صفوفهم، في ظل صعوبة العودة لأوطانهم التي تعصف بها الحروب والمشاكل الاقتصادية.
كما عانى عدد من العائلات العربية من قلة الدخل وزيادة المصاريف، حيث تتطلب المعيشة في إيطاليا مصاريف كثيرة من فواتير الغاز، والكهرباء، والماء، وتعليم الأطفال، وذلك مقابل عجز الدولة الإيطالية عن تقديم مساعدات للمواطنين الإيطاليين، فما بالك بالأجانب الذين فقدوا عملهم، هذا الواقع دفع عددا كبيرا من أبناء الجاليات العربية في إيطاليا للهجرة إلى دول أخرى ضمن الاتحاد الأوروبي تقدم الحد الأدنى من المساعدة لهم كبريطانيا وألمانيا.
ورغم ذلك يأمل عدد كبير من أبناء الجالية العربية أن تحمل سنة 2016 مزيدا من الأمل لهم بأن تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية وأن يعود الانتعاش للاقتصاد الإيطالي، وهذا ما تعمل عليه حكومة ماتيو رنزي ، حيث ظهرت في أواخر سنة 2015 بوادر انتعاش في الاقتصاد الإيطالي ويأمل أبناء الجاليات العربية أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي وأن يتعافى الاقتصاد الإيطالي.
ومع إطلالة سنة 2016 يقول الدكتور إياد حافظ، المختص بالتراث الإسلامي في جامعة روما، لـ"العربي الجديد": "إن النظرة المتبادلة بين الشرق والغرب يجب أن تخرج من قوالبها الكلاسيكية المبينة على فكرة الغرب الكافر والشرق المؤمن وكذلك لابد للغرب أن يكسر المفهوم الجامد عن الشرق على اعتباره شرقا متخلفا مصدرا للفكر الإرهابي".


السياسوية
يختلف الأمر كثيرا في القارة الأميركية عما هو عليه بالنسبة للجاليات في القارة الأوروبية.
فلم يكن عام 2015 بالعام السهل للكثير من العرب الأميركان على الصعيد العام بسبب ما يحدث في العالم العربي وتأثيره المباشر عليهم حتى في الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب ما تشهده العديد من دول عربية من دمار وخاصة بعد تمدد "داعش" وتثبيت العديد من الدكتاتوريات لقوتها على الرغم من النضال المستمر للشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة، بل لتأثير ذلك وبشكل مباشر على حياتهم في الولايات المتحدة.
واتضّح التأثير السلبي في مناظرات المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري لسباق الرئاسة الأميركية، ولعل أبرز تلك التصريحات كانت لليميني، دونالد ترامب، بحديثه عن رغبته بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة أو تشديد شروط قبول اللاجئين السوريين والعراقيين، وهي إجراءات شديدة أصلاً وتستمر في العادة لأكثر من سنتين. وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات العديد من هؤلاء لـ"العربي الجديد" حول أمنياتهم للعام القادم، والتي ارتبطت في أغلب الأجوبة بما مروا به عام 2015.
تقول أحلام، والتي حصلت على لجوء في الولايات المتحدة قبل حوالي العام، "أتمنى أن يتمكن أبي من اللحاق بنا في الولايات المتحدة حيث إنه ما زال في لبنان وكنا أنا وأمي قد حصلنا على قبول طلبنا بعد انتظار دام لأكثر من سنتين... وقدم هو طلباً للالتحاق بنا في وقت لاحق بعد أن تمكن من الخروج من سورية، وما زلنا ننتظر واشعر بخوف من أن الأميركان ربما سيشددون الإجراءات... هناك معلومات متضاربة وأنا تعبت وأريد أن أبدأ حياة جديدة بدون حرب.. لكني أشتاق إلى رفيقاتي في سورية فبعضهن بقي هناك وبعض آخر الآن في ألمانيا“. أما نديم، الطالب الجامعي من أصول مصرية فيقول "أخشى أن يزداد التصعيد ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وخاصة خلال السنة القادمة من قبل مرشحي الحزب الجمهوري، فترامب ربما أسوأهم لكنه ليس الوحيد الذي يحاول حشد الجموع خلفه بتصريحات شعبوية". وعبرت لينا الفلسطينية الأميركية، والتي تدرس في جامعة نيويورك، عن أملها بأن يكون العام القادم أقل دموية في الشرق الأوسط.

فرنسا: وضع صعب
لم تكن سنة 2015 رحيمة بفرنسا وبالفرنسيين، وفي المقام الأول بمسلميها وبالجالية العربية والإسلامية المتواجدة فيها. ليس فقط بسبب الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تضرب فرنسا، والتي تضرب، بشكل أكبر، مهاجريها، المقيمين بصفة قانونية أو بغيرها، والذين يعانون من بطالة قاسية ومستدامة. ولكن العام الموشك على الأفول، ابتدأ باعتداءات إرهابية ضد صحيفة فرنسية "شارلي إيبدو"، تسبب في مقتل طاقم كبير من إدارتها، فاتجهت أصابع الإدانة والاتهام إلى الجالية العربية والإسلامية، فارتفعت مستويات العنصرية والإسلاموفوبيا، ثم جاءت قضية مقتل الفرنسي في الجزائر على أيدي متشددين جزائريين، وكيف تناولتها وسائل الإعلام، حتى جاءت الاعتداءات الأخيرة التي طاولت باريس وضاحيتها.
مها عثمان، من أصول جيبوتية، أستاذة اقتصاد في ثانوية فرنسية، تعترف لـ"العربي الجديد" أن التحديات كانت كبيرة في العالَم التعليمي، و"قد تلمسناها في الأقسام الدراسية، حيث الطلبة مختلطون. وحيث من السهولة اشتعال الاحتكاكات بين المنحدرين من الضواحي والأحياء الشعبية وبين رفاقهم من الأحياء الباذخة".
محمد زروليت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا، عبّر عن الأمل "في أن يعُمّ السلام العالم العربي والإسلامي، مصدر المشاكل والأزمات، وأيضا العالم أجمع". وتمنى أن "تجد هذه المشاكل حلا في إطار الحوار والاحترام المتبادل والتعايُش بين مختلف الثقافات وبين جميع أتباع الديانات".
في ساحة الجمهورية، والتي لا يزال يزورها الكثيرون من الفرنسيين وغيرهم لوضع أزهار وتعليقات وكلمات من أجل الذين رحلوا في الأعمال الإرهابية الأخيرة، التقينا بأحمد، وهو عامل تونسي، وسألناه عن تمنياته للسنة الجديدة 2016، فقال: "ألا يحدث ما حدث هذه السنة، وألا نجد أنفسنا في كل مرة، ونحن نتسارع لنتبرأ من هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الفظاعات.
سعيد، جزائري، مقيم بصفة غير قانونية، في فرنسا، لا يخفي أن الظروف كانت قاسية، وخصوصا على المهاجرين في ظروف غير قانونية. "قبل الاعتداءات وقبل تطبيق حالة الطوارئ، كنا نعمل، من دون أوراق إقامة، وكانت الشرطة توقفنا أحيانا وتطلق سراحنا. الظروف تغيرت، الآن، فمن يتمّ اعتقالُهُ يُسفَّر إلى بلده، فوراً".

ساهم في الملف (إيطاليا- أحمد حسين، نيويورك- ابتسام عازم، أوتوا- عبد السلام عنيسي، كوبنهاغن- ناصر السهلي، باريس- محمد المزديوي)

المساهمون