"أنا الشرطي أحمد!"

01 فبراير 2015
الشرطي أحمد المرابط مثل نموذج المسلم والمواطن الفرنسي(فرانس برس)
+ الخط -
كل العائلات متساوية أمام المصائب، وكذلك الأمهات، هذا هو المنطق الذي لا يصمد أمامه تاريخ ولا جغرافيا. ولكن بعض الأمثلة تكشف العكس. فإذا كان الهجوم على فرنسا وعلى مؤسساتها وقِيَمِها ومبادئها يستهدف الشعب الفرنسي كله، فلماذا بعض الضحايا يَحظون بتعاطف رسمي أكبر من البعض الآخر؟!

وقد شَهد اعتداءان إرهابيان على فرنسا كيف أن الدولة الفرنسية وممثليها، من الرئيس فما تحت، يكيلون بمكيالين.

الجميع في فرنسا يعرف الإرهابي محمد مراح، الذي كان عميلا للاستخبارات الفرنسية قبل أن ينقلب عليها ويرتكب أعمالا إرهابية أدت إلى مقتل 7 أشخاص، من بينهم جنود وأطفال مدرسة يهودية، ولكن التغطية الرسمية لم تكن متساوية، فقد ركز الرئيس فرانسوا هولاند على الضحايا اليهود، وزار مقر المجلس التنفيذي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، وحين تحدث عن أحد الجنود القتلى، ويتعلق الأمر بأبيل شنوف، قال عنه إنه مسلم، ولم يكلف نفسه عناء التدقيق في أصوله، مما اضطر ألبرت شنوف ماير، والد الجندي القتيل، إلى كتابة رسالة مفتوحة يحتج فيها على هذا الخطأ. وأدان "الاحتقار" الذي عبر عنه الرئيس تجاه عائلات الضحايا، وبشكل خاص تجاه أبيل ومحمد لغواد.

وإذا كان الجميع يعرف الجندي القتيل عماد بن زياتن، الضحية الأولى لمحمد مراح، فالفضل كله يعود إلى والدته لطيفة بن زياتن التي تناضل منذ 2012 من أجل إبقاء ذكرى ابنها عماد حية. ابنها الذي خدم حتى مقتله العَلم الفرنسي، ومات لهذا السبب، وهو ما يُخرس كل الأصوات العنصرية التي تتحدث عن استحالة الاندماج في المجتمع الفرنسي. كما أنها تناضل من أجل إبراز الصورة المتسامحة والمعتدلة للإسلام. ولا تتوقف هذه الأمّ المكلومة عن السفر في ربوع فرنسا، من أجل عقد لقاءات مع تلاميذ مدارس، للدفاع عن إسلام متسامح، والحديث عن تعلقها بالجمهورية، واعتزازها بابنها القتيل (ابني التحق بالجيش ليخدم الجمهورية). وتجدر الإشارة إلى أن لطيفة بن زياتن تعرضت إلى سيل من التهديدات بعد صدور كتابها عن ابنها.

وكما لو أن التاريخ يعيد نفسه، شاءت الأقدار أن يكون شرطيٌّ مسلم من بين ضحايا الأخوَان كواشي، ويتعلق الأمر بأحمد مرابط. وتشاء الظروف أن يلقى تمييزا فاضحا مقارنة بالضحايا الآخَرين. لم يكلف أحد من الوزراء الفرنسيين عناء الانتقال إلى مدينة بوبيني، في الضاحية الباريسية القريبة، لحضور جنازته. كان العالَمُ كله، وبحضور شخصيات سامية ورسمية، يتابع جنازات وتأبين رسامي شارلي إيبدو، التي لم تُنظَّمْ في يوم واحد، ولم ينتبه أحدٌ إلى أحد موظفي الدولة وأحد المحافظين على أمنها. وكأن أحمد مرابط مات مرتين. وكان عزاؤه الوحيد أن حضر 3 آلاف شخص الصلاة على روحه.

لم يحدث هذا فقط. فقد أقدم أحد الأشخاص على تصوير مَشاهِدَ لا تُحتمَل من إعدامه (كان يترجى قاتلَهُ أن يتوقف) وألقى بها في الإنترنت فشاهدَها العالَم. والأنكى أن هذا الشخص لم يتعرض للمساءلة ولا للاعتقال، ليس فقط لأنه ساهم في منح قدر من الدعاية للإرهاب ولا لأنه اعتدى على حياة الغير، ولا لأنه اعتدى على شرطي وهو يؤدي واجبه. لم يجد ما يقوله سوى أنه كان في ظرف نفسي سيئ، فقرر أن يتقاسَم هذه الصُّوَر مع بعض أصدقائه، قبل أن تتخطَّفَها مئات آلاف المواقع الإلكترونية.

قرب المسجد لم تجد سيّدةٌ من يستمع إلى شكواها، فقالت بصوت سمعه الكثيرون: "يريدون مني أن أكون "شارلي إيبدو"، ولكني "أحمد مرابط"، أحمد مرابط، الذي لن يجرؤ أحد في فرنسا أن يُنصِّبَهُ ملِكاً على فرنسا كما فعلوا مع زين الدين زيدان حين خطف لهم كأس العالَم الوحيد لكرة القدم.

الحقيقة المُرَّة هي أنه "ليس فرنسياً من يشاء، ولا إرادة له في أن يكون كذلك. فقد أبانت هذه الحادثة، أن الإرهاب ملة واحدة، لا يفرق بين دين ودين، وأن حالات البطولة والشجاعة والمروءة لا نعدمها هنا أو هناك، في هذا العالم الذي أصبح للأسف الشديد، يتغذى على أفكار التطرف وينحاز إلى تحالف الشر.
ستكون بطولة الشرطي أحمد المرابط، شهادة براءة، من دون شك في حق المسلمين، ودليلا قاطعا على أن التعميم أكثر فتكا وقتلا من الرصاص الطائش ومن جريمة الأخوين كواشي.
المساهمون