كهرباء مصر.. اتهام "الإرهاب" لتبرئة الفساد

11 سبتمبر 2014
+ الخط -
في مصر تغيب الكهرباء لساعات طوال فيحمّل النظام وإعلامه الإرهاب والإخوان أسباب الأزمة المتنامية، التي وصلت إلى ذروتها بإظلام شبه كامل لمصر قبل أيام، وهو ما استدعى خروج الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواجهة الشعب عبر الإعلام، داعياً إلى الصبر على الأزمات، متناولاً جانباً من الأسباب الحقيقية لانقطاع الكهرباء، والتي لم يكن من بينها الإرهاب.

قبل خطاب السيسي الأخير لم يتوقف مسؤولو مصر عن ترويج أسباب عديدة لتبرير انقطاع الكهرباء، عنوانها العريض "عمليات الإخوان الإرهابية" التي تستهدف محطات توليد الكهرباء.

وبسبب الادعاء السابق تسلمت شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء يوم الثلاثاء 26 أغسطس/آب الماضي كشوفاً تضم 1200 من العاملين في القطاع بدعوى انتمائهم لجماعة الإخوان لنقلهم من المواقع التي يعملون فيها، بحسب وزير الكهرباء، محمد شاكر.

السبب الحقيقي
الباحث بقطاع الطاقة، أحمد صلاح الدين، رفض الإجراء السابق لأنه "يعكس مدى التخبط في الوزارة ومحاولة تعليق الفشل في رقبة أبرياء لا علاقة لهم بالأزمة"، إذن ما السبب الحقيقي لانقطاع الكهرباء؟ يجيب خبير الطاقة، المتحدث الرسمي باسم ائتلافات العاملين بالكهرباء، سامر مخيمر، على سؤال "العربي الجديد"، بأن الفساد في وزارة الكهرباء هو المتهم الأول في ما يحدث.

يشعر مخيمر بالألم وهو يتحدث لأنه كان قد تقدم منذ نحو عامين بتقرير مفصل لرئاسة الجمهورية حول فساد وزارة الكهرباء، طالب فيه بضرورة إنقاذ القطاع، وهو ما لم ولن يتحقق في ظل الوضع المتدهور والبالغ السوء الذى وصل اليه القطاع إدارياً وبشرياً وفنياً، على حد قوله.

يعود مخيمر لمتابعة حديثه محدداً الأسباب الحقيقية لانقطاع الكهرباء بأنها خليط من سوء الإدارة وفسادها وانتشار القيادات الفاشلة التي تفرغت للحصول على المنافع الشخصية، مثل العمولات المادية من الشركات الأجنبية والحصول على السفريات الخارجية المخصصة في الأساس لفحص جودة المعدات المتعاقد عليها، وكذلك تعيين الأبناء والأقارب في الوزارة والشركات المنفذة للمشاريع الجديدة، والحصول على نسب من أرباح الوزارة وعائدات بيع الخردة، بالإضافة إلى انتشار الكوادر العاطلة بأعداد هائلة داخل الوزارة نتيجة التوظيف العشوائي، سواء بتوريث الوظائف أو بالمحسوبية دون النظر إلى حاجة العمل.

الشرطة وقناة السويس الجديدة
التدهور الفني الشديد في محطات التوليد وشبكات الكهرباء، وتعطل العديد من وحدات التوليد بشكل متكرر لم يظهر فجأة، بحسب أحد العاملين بوزارة الكهرباء، والذي رفض ذكر اسمه خوفاً من اتهامه بالإرهاب أو الانتماء للإخوان، واكتفى بالإشار إليه بحرفي "م.ف.".


يكشف "م.ف" لــ"العربي الجديد" إحدى صور الفساد في الوزارة قائلاً "المكافآت التي تمنح لضباط شرطة الكهرباء أحد أهم أسباب الفساد التي تنعكس بصورة غير مباشرة على انقطاع الكهرباء لأنهم يحصلون على أعلى نسبة مكافآت تبتلع ميزانية الوزارة والأفضل توجيهياً للصيانة".

ويحذر "م.ف." من تفاقم المشكلة خلال الفترة المقبلة نتيجة النقص في السولار المستخدم في تشغيل محطات توليد الكهرباء والذي يجري تحويله لصالح مشروع قناة السويس الجديدة التي تحتاج إلى 16 مليون لتر شهرياً لتشغيل الجرافات القائمة بأعمال الحفر والبالغ عددها 4200 جرافة، تستهلك الواحدة منها 120 لتر سولار يومياً، أي حوالي 54000 لتر يومياً للجرافات كلها، وهو ما يزيد الأزمة. ويتفق أحمد عبدالرحمن، أحد المفصولين من وزارة الكهرباء، مع رأي "م.ف.".

يقول عبدالرحمن إن الشبكة تحتاج بالفعل إلى الصيانة ولكن المشكلة أن موارد الوزارة منهوبة بمعرفة من سماهم "الحرامية والأباطرة"، مشيراً إلى ضعف تحصيل فواتير استهلاك الكهرباء في الشهرين الأخيرين بسبب مضاعفة الأسعار، وهو ما أثر على موارد الوزارة.

من جهته، يرفض محمد عيسى أبو عيطة، منسق "جبهة كشف الفساد"، (مجموعة حقوقية مصرية)، مبررات الحكومة لأزمة الكهرباء لأنه يرى أن انقطاع التيار الكهربائي يعد من أكثر أنواع الفساد الإداري في الدولة، إذ إن أزمة الكهرباء أدت إلى غلق مصانع وورش، كما تسببت في توقف محطات مياه الشرب واضطرار الأهالي لشراء المياه المعدنية، إضافة إلى إتلاف الأجهزة الكهربائية.

انعكاسات الأزمة
بسبب أزمة الكهرباء تراجعت الطاقة الإنتاجية للمصانع المصرية 15%، بحسب الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني، الذي تابع أن الإحصاءات تشير إلى أن المحال التجارية انخفضت نسبة الشراء فيها بنحو 35%، فيما قدرت خسائر مصانع الكيماويات بـ15%، ومصانع الحديد والصلب 800 ألف جنيه يومياً، وأيضاً خسارة إنتاجية وصلت إلى 160 طن حديد خسائر وتهالكاً في الماكينات.


ويتابع الميرغني كشف الخسائر قائلاً "مصانع الألمنيوم تخسر 650 ألف جنيه يومياً بما يقرب من 20 مليون جنيه شهرياً، وفي المنظومة السياحية تكبدت الشركات خسائر تصل إلى ما يقرب من 20 مليون جنيه، نتيجة انقطاع الكهرباء في المدن السياحية والفنادق واستخدام المولدات وشراء السولار لتشغيلها، وقد تسببت الأزمة المتكررة بشكل يومي في عزوف المستثمرين عن مصر".

أدّت الازمة، بحسب الميرغني، إلى رواج دعوات التوقف عن سداد فاتورة الكهرباء التي تشمل بندين هما قيمة استهلاك الكهرباء المنقطعة في الأغلب، وقيمة جمع القمامة التي لا تحصل من الأساس، وتمثل جباية حقيقية، تحصل عليها الحكومة دون وجه حق.

الملاحظ أن انقطاع الكهرباء لا يزال مستمراً عقب اجتماع السيسي الأخير مع وزير الكهرباء وإصداره ما قيل إنها توجيهات بحل الأزمة، إلا أن ساعات ومرات الانقطاع اليومي انخفضت بنسبة قليلة بعدها بأيام، لتعود مرة ثانية إلى سابق عهدها، وهو ما يؤكد إمكانية حل المشكلة بعيداً عن شماعة الإخوان واتهامهم بتفجير أبراج الكهرباء، كما قال الميرغني.

توقف المصانع
أصحاب المصانع في المنطقة الحرة بالإسماعيلية ومنطقة الاستثمار بالقنطرة شرق والقنطرة غرب أكدوا لـ"العربي الجديد" أن انقطاع التيار أدى إلى توقف بعض المصانع لعدة ساعات متواصلة، الأمر الذي أثر على إنتاج هذه المصانع بشكل كبير، وأدّى بالتالي انخفاض إنتاجيتها بنحو ملحوظ.

في ذات السياق، يؤكد رئيس لجنة الطاقة في اتحاد الصناعات، الدكتور تامر أبو بكر، أن انقطاع التيار الكهربائي عن أي مصنع يؤثر على إنتاجه ومعدات المصنع وآلاته، لأن "المصانع التي تعمل بأفران يجري تشغيلها 24 ساعة متواصلة ويتم إطفاؤها بطريقة معينة، ولو تم إيقافها بطريقة مفاجئة فإنها تتعرض في الأغلب لأعطال".


معاناة الزراعة والصحة
على المستوى الزراعي ازدادت معاناة الفلاحين بعد توقف ماكينات الري، التي تروي أراضيهم سواء بالرش أو التنقيط، مما أدى إلى تلف بعض المحاصيل، خصوصاً في فصل الصيف وهو ما يؤثر على إنتاجية الأرض الزراعية، وبالتالي يتوقع الخبراء أن ترتفع أسعار المحاصيل وفقاً لقاعدة العرض والطلب.

كذلك ضربت أزمة الكهرباء في مصر القطاع الصحي حتى وصل الأمر إلى اضطرار أحد الأطباء لإجراء عملية جراحية على ضوء الهاتف المحمول، على حد قول منسق حركة شباب الأطباء الدكتور أحمد عاطف، والذي تابع: "الكهرباء انقطعت عن مستشفى النيل للتأمين الصحي بشبرا الخيمة، شمال القاهرة، الساعة الثانية فجراً، والمولد لم يكن يعمل إلا في ثلاثة طوابق فقط من أصل سبعة، كنت بغرفة العمليات أجري عملية إصلاح فتق أسفل البطن، واضطررت إلى إكمال العملية على ضوء الهاتف المحمول".

أكد ذلك أيضاً المتحدث باسم جمعية "أطباء التحرير"، الدكتور أحمد فاروق، مشيراً إلى أنه تلقى بلاغات عن انقطاع الكهرباء في أكثر من مستشفى خلال الفترة السابقة، وأن بعض الأطباء يضطرون لاستخدام الكشافات والشموع لإجراء العمليات الجراحية والكشف على المرضى.

أما أخصائي النساء والتوليد بمستشفى الإسماعيلية العام، الدكتور نادر محسن اللبيدي، فله قصة أخرى يرويها بالقول "شاركت بعملية استئصال رحم سيدة تحت كشافات المحمول، وبعدما انتشرت العملية بجميع الوسائل الإعلامية وانكشف قصور الوزارة تم إحالة الفريق الطبي كله للتحقيق، وتم تحوير الموضوع سياسياً، واتهمونا بأن ما جرى مدبر سلفاً ومخطط لعمل بلبلة بالوزارة وبالدولة".

وأضاف "اتهمونا بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين حتى يخرجوا من الموقف بقذارة تفوق الوصف والمنطق رغم أني قمت بواجبي على أكمل وجه، وكلل نجاحنا وتعبنا باستقرار الحالة بعد العملية".

وجه آخر للأزمة يبدو في خسائر فادحة للصيادلة، إذ يرتبط عملهم بحفظ الدواء في درجة حراراه منخفضة.

الصيدلي سامي مصيلحي من القاهرة قال لــ"العربي الجديد" انقطاع الكهرباء تسبب في خسائر فادحة للصيدليات بملايين الجنيهات، لأن معظم الأدوية تحتاج إلى درجة حرارة بين 20 أو 30 درجة مئوية، وهو ما لا يتوافر في صيدليات عديدة في معظم المحافظات، خاصة في محافظات الصعيد. وأضاف: "هناك بعض الأدوية التي تتلف بسرعة شديدة إذا لم توضع في الثلاجات مثل الأنسولين والأمبولات وأدوية الجلطات والسرطان، ما يؤثر بالسلب على صحة المريض".