جامعات اليمن الخاصة... ضعف مستوى خريجي كليات الطب يهدد حياة المرضى

22 يناير 2018
ضعف طلاب كليات الطب الخاصة يبدوعند التطبيق العملي(العربي الجديد)
+ الخط -
حظي العشريني اليمني عاطف بادي بفرصة لدراسة الطب البشري، رغم حصوله على معدل 76% في الثانوية العامة في العام الدراسي 2010/ 2011، وهو ما لم يمكّنه من القبول في أي من كليات الطب الحكومية، نتيجة لارتفاع معدلات القبول فيها إلى 85% في العام ذاته. لكن جامعة دار السلام الخاصة وفّرت له فرصة دراسة الطب البشري مقابل دفع رسوم سنوية تقدر بـ5500 دولار، أي ما يعادل مليونا و375 ألف ريال يمني، كما يقول.

حصل بادي على شهادة الثانوية العامة من مدرسة الشاطبي الحكومية التي تقع في مديرية سنحان شرق العاصمة صنعاء. وكل ما تطلّبه الأمر، وفقا له ولتسعة طلبة آخرين حصلوا على معدلات تتراوح بين 75% و80%، هو الحصول على معدل 75% في شهادة الثانوية العامة، ودفع الرسوم الدراسية التي تتراوح بين 5500 و5600 دولار، فيما انخفض معدل القبول في العام الدراسي 2017/ 2018 إلى 75%، بعد أن كان 80% في العام الماضي، وفق بوابة التسجيل الإلكتروني للجامعات اليمنية الخاصة.

آلية غير موحدة

تشترط كليات الطب الحكومية الموجودة في محافظات صنعاء وعدن وحضرموت وتعز وذمار، على الطلبة الملتحقين، الحصول على معدل 85%، والنجاح في امتحانات القبول اللازمة لدراسة الطب البشري، بحسب عميد كلية الطب في جامعة صنعاء الحكومية، الدكتور ناجي حومش.

ويحتوي امتحان القبول الذي تعتمده كليات الطب في جامعة صنعاء على ثلاثين سؤالا في كل من مادتي الكيمياء والأحياء، وعشرين سؤالا في كل من مادتي الفيزياء واللغة الإنكليزية، وفقا لدليل امتحانات القبول بكلية الطب في جامعة صنعاء الحكومية الصادر عن الجمعية الطبية التابعة لكلية الطب بجامعة صنعاء في عام 2015، بحسب الدكتور عصام محرم، مدير عام إدارة مؤسسات التعليم العالي الأهلية في وزارة التعليم العالي.


ضعف في الأداء العملي والعلمي

يتقدم للتسجيل في كليات الطب الخاصة الثلاث 287 طالبا وطالبة في كل عام، وفقا لسجلات إدارات القبول والتسجيل التابعة للجامعات الخاصة الثلاث. ويبدو جليا ضعف مستوى طلبة الطب البشري في الجامعات الخاصة، خلال التطبيق العملي في هيئة المستشفى الجمهوري التعليمي الحكومي بصنعاء، وفقا للدكتور صالح القاضي، رئيس قسم الباطنية والمشرف على طلبة الطب البشري الدارسين في الجامعات الخاصة الثلاث وطلبة جامعة صنعاء الحكومية خلال تطبيقهم العملي في المستشفى.

وبالمقارنة بين مستوى طلبة الجامعات الخاصة والحكومية، يتأكد ضعف مستوى طلاب كليات الطب الخاصة، على عكس طلبة كلية الطب في جامعة صنعاء الحكومية، كما يقول الدكتور القاضي، وهو ما يؤكده زميله في نفس القسم اختصاصي الأمراض الباطنية، الدكتور أحمد القارات. والذي قال لـ "العربي الجديد": "مستوى طلبة كليات الطب في الجامعات الحكومية أفضل من مستوى طلبة الطب البشري في الجامعات الخاصة".


وتظهر مكامن ضعف المستوى العلمي والعملي من خلال أسئلة الأطباء المشرفين الموجهة للطلبة أثناء تشخيص المرضى الراقدين في المستشفى، وقياس قدرة الطلبة على حسن التعامل مع المرضى من عدمه، وهو ما يعدّه الدكتور القاضي بيانا عمليا ظهر من خلاله ضعف الطلبة في الجامعات الخاصة الثلاث مقارنة بطلبة جامعة صنعاء.

ويطابق رأي عميد شؤون الطلاب في الجامعة الإماراتية الدولية، الدكتور علي سيف، ما أكده الطبيبان في المستشفى الجمهوري، القاضي والقارات، إذ اعترف بضعف مستوى الطلبة الملتحقين بالجامعة الخاصة، قائلا لـ "العربي الجديد": "الطلبة الذين لا يتمكنون من الالتحاق بكليات الطب الحكومية وتلبية متطلباتها العلمية، يأتون إلى الجامعات الخاصة". مشيرا إلى أن الجامعات الخاصة تعمل على تجاوز هذا الضعف من خلال التدريس الجيد، على حد قوله.

غير أن عميد كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الخاصة، عبد الله المخلافي، دافع عن مستوى الطلبة ومخرجات جامعته بالقول: "نخرّج أطباء بمستوى ممتاز، وتنافس كليتنا نظيرتها في جامعة صنعاء الحكومية في الطب البشري والتخصصات الأخرى".


الفشل في نيل شهادة مزاولة المهنة

تكشف بيانات المجلس الطبي التابع لرئاسة الوزراء، (يُعنى بالتحقيق والمساءلة في قضايا الأخطاء الطبية ومنح شهادات مزاولة المهنة والرقابة على أداء مزاولي المهن الطبية والصيدلانية)، عن ضعف مستوى الخريجين من كليات الطب الخاصة، إذ تشير تلك البيانات إلى أن 60% من بين 500 طبيب تخرّجوا في كليات الطب في الجامعات الخاصة، نجحوا في امتحانات الحصول على شهادات مزاولة المهنة للعام 2015 و2016.



وتخرّج 2150 طبيبا وصيدلانيا، في الجامعات الخاصة، منذ عام 2003 وحتى عام 2015، وفقا لبيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

ويجمع عدد من مصادر هذا التحقيق، ومنهم الأمين العام للمجلس الطبي الدكتور عبد الرحمن الحمادي والدكتورة رفيقة القباطي مديرة إدارة الكادر الطبي في وزارة الصحة العامة والسكان والأكاديمية السابقة في كلية الطب بجامعة العلوم والتكنولوجيا الخاص، على أن مستوى الخريجين الضعيف يتسبب في أخطاء طبية عند ممارسة المهنة، وهو ما رصده مدير عام شؤون الموظفين في هيئة المستشفى الجمهوري التعليمي الحكومي في صنعاء، فؤاد خصروف، قائلا لـ "العربي الجديد": "الأخطاء الطبية ترجع إلى التشخيص الخاطئ". ويعمل بمستشفيي الجمهوري، والثورة (الأكبر في اليمن) 69 طبيبا من خريجي الجامعات الخاصة، وفقا لسجلات إدارات الموارد البشرية التابعتين لهما.



معايير غائبة

رافق ضعف المستوى الناتج عن سياسة القبول، اعتماد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة على الملازم المختصرة لتدريس الطلبة، من دون العودة إلى المراجع العلمية ذات الصلة، ناهيك عن قلة عدد الكادر التدريسي في تلك الجامعات، كما تقول الدكتورة رفيقة القباطي لـ "العربي الجديد"، قبل أن تضيف "هدف الجامعات الخاصة هو الربح، ولو وضعت معايير للقبول مثل المطبقة في كلية الطب بجامعة صنعاء لما تقدّم إليها أحد من الطلبة".


ويضيف الدكتور يحيى غانم، نائب عميد كلية الطب بجامعة صنعاء الحكومية إلى ما سبق، أن الجامعات الخاصة تفتقر إلى البنية التحتية، كما أن الكادر التدريسي فيها ركيك علميا، ما أدى إلى قصور انعكس سلبيا على الخريجين.

ووفقا لسجلات الجامعات الخاصة الثلاث، فإن عدد الكادر التدريسي فيها (180 أكاديميا)، فيما يقدر الدكتور غانم عدد الكادر التدريسي في كلية الطب في جامعة صنعاء فقط بـ300 أكاديمي.

قلة عدد الكادر التدريسي يبرره عميد شؤون الطلاب في الجامعة الإماراتية الخاصة، باختيار الكادر التدريسي المتميز، في حين أن الاعتماد على الملازم يرجع إلى ارتفاع أسعار المراجع العلمية التي يعجز الطلبة عن شرائها، لكن طلبة الجامعات الخاصة الثلاث التقاهم معد التحقيق، ومن بينهم باسم سليم، أحد طلبة العام الرابع للطب البشري في الجامعة الإماراتية الدولية الخاصة، يؤكدون أن أعضاء هيئة التدريس قليلون في جامعاتهم مقارنة بكلية الطب في جامعة صنعاء، ناهيك عن اعتمادهم على الملازم المختصرة في التدريس والتجهيزات المساعدة مثل الأجهزة ذات الصلة بدراسة الطب، وهي أسباب أثرت على مستواهم العلمي.


هروب من المسؤولية

يعطي القانون رقم 13 لسنة 2005 الخاص بالجامعات والمعاهد العليا والكليات الأهلية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن، الحق في الإشراف والرقابة على 35 جامعة خاصة، ثلاث منها فتحت برامج لدراسة الطب البشري والتخصصات الطبية الأخرى، بحسب بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الصادرة في عام 2016.

ومنح القانون الحق للوزارة في إيقاف الجامعات الخاصة المخالفة وغير الملتزمة بالمعايير التعليمية، لكن مصدرا مسؤولا في مجلس الاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم العالي التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي يؤكد لـ "العربي الجديد" أن وزارة التعليم العالي لا تطبق هذا القانون ولم تجر تقييما للطلبة لمعرفة مستواهم في الجامعات الخاصة، خلال السنوات الماضية. وتابع أن وزارة التعليم العالي تتحمل مسؤولية تدني مستوى خريجي كليات الطب الخاصة، وتأثير ذلك على سلامة المرضى في المستشفيات التي يعملون بها.

وأدى التراجع السابق في مستوى الخريجين إلى قرار من وزارة التعليم العالي لإنزال فرق ميدانية مع بداية العام الدراسي المقبل لتقييم مستوى طلبة الطب في الجامعات الخاصة، وفق ما كشفه الدكتور عصام محرم، مدير عام إدارة مؤسسات التعليم العالي الأهلية بوزارة التعليم العالي، قائلا لـ "العربي الجديد"، "سنقيم مدى التزام تلك الكليات بتطبيق معايير تؤدي إلى تخريج أطباء بمستوى مناظر للجامعات الحكومية".

ومن تلك المعايير التي يجب أن تلتزم بها كليات الطب الخاصة، بحسب محرم، توفر البنية التحتية من قاعات دراسية ملائمة، وأجهزة ومحاليل طبية، ومعامل مجهزة، ومكتبة تتوفر فيها جميع المراجع العلمية والوسائل التعليمية، والكادر الأكاديمي الكُفء، وفي حالة مخالفة أي جامعة خاصة هذه المعايير، فإن وزارة التعليم العالي ستعمل على إغلاق كلية الطب فيها.