حلم الحج [3/ 6]...حرمان المقيمين في مناطق سيطرة الحوثيين من الركن الخامس

31 اغسطس 2017
المكايدات السياسية تحرم اليمنيين من الحج (الأناضول)
+ الخط -
لم يتمكن الخمسيني اليمني محمد غالب الوادعي من السفر لأداء شعيرة الحج هذا العام، بسبب رفض وزارة الأوقاف التابعة للحكومة الشرعية جواز سفره الصادر عن مصلحة الهجرة والجوازات في فبراير/شباط من عام 2016 في صنعاء، باعتباره صادرا عن جهة خاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين، على الرغم من أنه قدم جواز سفره إلى إحدى وكالات التفويج فور إعلان وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة الشرعية بدء التسجيل للحج في مايو/أيار 2017، مضيفا أن الجواز أعيد إليه نهاية الشهر ولم يتمكن من السفر إلى محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء لاستخراج جواز جديد من فرع مصلحة الهجرة، بسبب النقاط الأمنية التابعة لجماعة أنصار الله "الحوثيين" الواقعة في محافظة البيضاء التي تربط صنعاء بمحافظة مأرب، وكذلك في مدينة عدن بسبب النقاط الأمنية التابعة للحراك الجنوبي في محافظة الضالع الرابطة بين صنعاء وعدن، قائلا بأسى "الطريق إلى مأرب يستغرق 16 ساعة بالسيارة بسبب النقاط الأمنية، وكذلك يستغرق طريق عدن 24 ساعة لنفس السبب".

ويُعد الوادعي واحدا من بين 2000 متقدم إلى مركز تسجيل الحج التابع لوزارة الأوقاف اليمنية، حرموا جميعا من الحج وتمت إعادة جوازاتهم الصادرة من مناطق الحوثيين، وفق تأكيد مدير العلاقات العامة في قطاع الحج والعمرة التابع لوزارة الأوقاف الخاضعة للحوثيين محمد الشقاقي، وهو ما يؤكده أيضاً وزير الأوقاف والإرشاد التابعة لحكومة الشرعية الدكتور أحمد عطية، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن: "11 ألف حاج من مناطق سلطة الحوثيين تمكنوا من السفر إلى الحج نظرا لامتلاك بعضهم جوازات صادرة قبل العام 2016 وتمكن البعض الآخر من تغيير جوازاتهم لدى المحافظات التابعة للحكومة الشرعية أثناء عملية التسجيل للحجاج، بينما لم ينجح البعض الآخر في ذلك".

جوازات محظورة

أصدرت وزارة الأوقاف التابعة للحكومة الشرعية تعميما إلى وكالات التفويج والحجاج في 17 مايو/أيار 2017 بعدم قبول الجوازات الصادرة من صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين ابتداء من 1 يناير/كانون الثاني 2016، فيما تعد الجوازات الصادرة من كل مناطق اليمن مقبولة قبل هذا التاريخ، وهو ما يعتبره وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع الحج والعمرة الخاضع لسيطرة الحوثيين عبدالله عامر، تسييسا للحج من قبل الحكومة الشرعية، رغم أن الحج عبادة ومن حق جميع اليمنيين القيام به من أي مناطق كانوا، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن السعودية أوعزت للحكومة الشرعية باتخاذ هذا القرار لحرمان المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين من الحج بعد حصر إصدار الجوازات بمصلحة الهجرة والجوازات في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، رغم علمهم بصعوبة وصول الناس إليها، بسبب الحرب".

لكن وزير أوقاف الشرعية دحض هذا الادعاء بالقول: "وزارة الأوقاف فتحت المجال لجميع المتقدمين الذين يحملون جوازات صادرة من كل أنحاء الجمهورية اليمنية، لكننا فوجئنا بأن الجوازات الصادرة من 1 يناير 2016 غير مربوطة بقاعدة البيانات الموجودة لدى مصلحة الهجرة والجوازات اليمنية"، مشيرا إلى أن الحوثيين بعد سيطرتهم على صنعاء قطعوا صلتهم ومعلوماتهم بمصلحة الهجرة والجوازات التابعة لهم، وأصبحت قاعدة البيانات تابعة لهم، وبالتالي تظهر هذه الجوازات التي صدرت من مناطق سيطرتهم، غير موجودة في قاعدة البيانات بمصلحة الهجرة والجوازات التابعة للحكومة الشرعية، ولا يمكن أن يمررها النظام الإلكتروني في منفذ الوديعة اليمني كما يقول الدكتورعطية.

ويُذكّر الدكتور عطية بالتعميم الذي تم إصداره من قبل وزارته والذي تضمن تنبيه الحجاج الذين يحملون جوازات صادرة من مناطق الحوثيين، أن يعيدوا النظر فيها، لكن الوادعي وأربعة آخرين من الذين تقدموا للحج في هذا الموسم يقولون إن التعميم جاء متأخرا بعد استقبال وكالات التفويج لجوازاتهم الصادرة من مناطق الحوثيين مطلع العام 2016، وهو لم يمكنهم من السفر إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية بسبب ظروف الحرب وإعاقة مسؤولي النقاط الأمنية التابعة للحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح للمسافرين الراغبين باستخراج وثيقة السفر من محافظتي عدن، ومأرب بحسب ما قاله سعيد أحمد النابهي أحد الخمسة المحرومين من الحج في عام 2017، والذين التقاهم معد التحقيق.


استحواذ على حصص الحج

وصل إلى مكة المكرمة عبر منفذ الوديعة البري الذي يعد المعبر الوحيد الذي يعمل بين اليمن والسعودية 25 ألف حاج يمني، 66% من بينهم من تسع محافظات تابعة للحكومة الشرعية بحسب الدكتور عطية، وهو ما يعني أن 8.5 آلاف حاج وحاجة من 13 محافظة خاضعة لسيطرة الحوثيين تمكنوا من السفر "على الرغم من كون هذه المناطق الأعلى كثافة"، حسبما يقول علي جميل مدير إدارة الحج والعمرة بوزارة الأوقاف الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن تفويج 25 ألف حاج أغلبهم من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية توزيع غير عادل، لأن أغلب السكان يتركزون في مناطق سيطرة الحوثي، ومنهم على سبيل المثال، سكان العاصمة صنعاء البالغ عددهم 3 ملايين نسمة، غير أن وزير الأوقاف والإرشاد الدكتور أحمد عطية يحمّل الحوثيين مسؤولية إعاقة آلاف المواطنين من السفر لأداء شعيرة الحج هذا العام، بسبب عدم تسهيل النقاط الأمنية التابعة لهم عبور المسافرين إلى مناطق سيطرة الشرعية بغية استخراج جوازات بديلة عن تلك التي تم استخراجها من مناطق سيطرة الحوثيين، مضيفا أن وزارة الأوقاف والإرشاد أخلّت بمسؤوليتها بإصدار تعميم لوكالات التفويج والحجاج قبل موعد الحج بأشهر، وكان الأجدر بالحوثيين أن يسهلوا سفر الراغبين بالحصول على جوازات سفر من مناطق الشرعية حتى يتسنى لهم الالتحاق بالحج هذا العام.


مشقة ومعاناة متضاعفة

عانى الحجاج الذين تمكنوا من استخراج جوازات سفر من مناطق تابعة للحكومة الشرعية أثناء تنقلهم من مناطق سيطرة الحوثيين حتى وصلوا إلى مناطق سيطرة الشرعية ولاسيما محافظة مأرب، ابتداء من التوقيف المتكرر لهم في 12 نقطة أمنية على امتداد الطريق من صنعاء إلى محافظة البيضاء وانتهاء بمعاناتهم أثناء متابعة فرع مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة مأرب، لاستخراج وثائق السفر التي تتأخر لمدة أسبوع من بدء متابعة المتقدم للحصول عليها وفق ما وثقه معدّ التحقيق مع ذوي خمسة حجاج تمكنوا من الحصول على جوازات سفر من محافظة مأرب، وتم تقديمها إلى وكالات التفويج في محافظة مأرب، ومن تلك المعاناة كما يقول الثلاثيني فادي صالح نجل الحاج صالح السنباني، "إعادة المسافر من إحدى النقاط الأمنية في مدخل مدينة البيضاء التي تتهم أي مسافر إلى مأرب بـ"الداعشية" لأنه كما يقول مسؤول النقطة الأمنية لا يسافر إلى محافظة مأرب، إلا من يؤيد الشرعية، ويحارب إلى صفها"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن والده عاد من تلك النقطة إلى صنعاء مرتين، وبعد وساطة لدى الحوثيين تمكن والده من السفر إلى مأرب.



ويقطع المسافر إلى مأرب 16ساعة سفر عبر الطريق الممتدة من صنعاء جنوبا إلى مأرب، بعد أن كان يقطعها المسافر قبل الحرب من الجهة الشمالية للعاصمة صنعاء في 3 ساعات من الجهة الشمالية لصنعاء وفقا لنجل عابد حامد الذي سافر والده إلى مأرب لاستخراج الجواز بغية الالتحاق بالحج، وظل لأسبوع كامل في متابعة فرع مصلحة الجوازات في محافظة مأرب بسبب الروتين الممل وإعاقة العاملين في المصلحة باستخراج جوازات المسافرين فور التقدم إلي المصلحة كما يقول، مشيرا إلى خسارة والده 150 ألف ريال (600 دولار أميركي) كمصاريف سفر ومتابعة استخراج الجواز في مأرب، لكن نائب مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات في محافظة مأرب إبراهيم الرملي، يؤكد أن متابعة الجواز في فرع المصلحة بمأرب تستغرق ثلاثة أيام فقط، قائلا لـ"العربي الجديد": "أحيانا يتأخر إصدار الجواز لمدة أسبوع بسبب وجود مشكلة لدى المتقدم باستخراج الجواز، مثل تغيير لقبه مثلا، أو لعدم وجود بطاقة شخصية معه تثبت هويته، وهذا يتطلب منه استخراج بطاقة شخصية أولا قبل استخراج الجواز، الأمر الذي يؤدي إلى تأخره في الحصول على وثيقة السفر"، مشيرا إلى أن فرع المصلحة يصدر يوميا 500 جواز، ما شكل ضغطا كبيرا على العاملين في المصلحة ويحول دون إصدار الجوازات في نفس اليوم التي يتقدم بها الشخص لاستخراج الجواز.


مشتركون في المسؤولية

"الحجاج هم وفد الله تعالى إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم"، هذا ما تقتنع به المصادر الحكومية من الجانبين اللذين التقاهم معد التحقيق، غير أنهم شركاء في حرمان آلاف اليمنيين من الحج هذا العام، إذ تتمثل مسؤولية الحوثيين في عرقلة وصول الراغبين في الحج، إلى مناطق الشرعية لاستخراج جوازات سفر، كما تبدو مسؤولية الشرعية في حصر الحج بالجوازات الصادرة من مناطق خاضعة لها، بحسب ما قاله مسؤول في وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة الشرعية رفض الكشف عن هويته، مؤكد لـ"العربي الجديد" أن الجانبين كان عليهما تسهيل إجراءات الحج للجميع، من خلال الاتفاق المسبق على آلية موحدة لتفويج الحجاج بعيدا عن المكايدات السياسية.
دلالات