حليم الضبع.. القاهرة في مشاهد صوتية

31 مايو 2018
(حليم الضبع)
+ الخط -

يحدث في الأوساط الثقافية والفنية العربية ألا تأخذ أسماء ومشاريع حقها من الدراسة وأصحابها على قيد الحياة، قبل أن يبدأ الالتفات لها وإعادة إنتاجها وتفكيكها وفق منظورات اجتماعية وسياسية في وقت لاحق. ينطبق ذلك بشكل ما على المؤلف الموسيقي المصري الأميركي حليم الضبع (1921-2017) الذي نادراً ما يتردد اسمه في الأوساط العربية.

في "المركز الثقافي الفرنسي" في القاهرة، جرت يوم الأحد الماضي استعادة الضبع من خلال محاضرة ألقاها الأنثروبولوجي الفرنسي نيكولاس بويغ عبر تسليط الضوء على مشروعه الموسيقي بوضعه ضمن سياقه الثقافي والسياسي.

اعتبر بويغ أن حليم الضبع من أوائل المجدّدين في المجال الموسيقى حتى أنه يصفه بـ"الأب الروحي للطليعة العربية في مجال الموسيقى" نظراً لما قام به من عولمة الموسيقى مع الحفاظ على طابعها المحلي.

يقول: "كان الضبع ضدّ موجة الأدلجة التي حدثت للفن وأصبحت فى أوجها بداية من الخمسينيات مع تعالي نبرات العروبة والقومية وارتباط كل ذلك بمشاريع عبد الناصر السياسية. كان الضبع طليعياً بمعزل عن المشروع الناصري حتى أنه بدا نخبوياً متطرفاً منحازاً لمقولة "الفن للفن" رغم أن مشروعه الموسيقى نابع من أصوات الطبقات الكادحة".

يشير بويغ إلى أن الضبع اعتمد بشكل أساسي على الأصوات، فيقول "تعمّد أن يُغرق موسيقاه بأصوات الناس في شوارع القاهرة وما يستخدمونه في حياتهم اليومية، فاستفاد من الباعة الجائلين وتنغيمهم للأصوات أثناء الصياح في عملية البيع"، ويضيف "كان تجميع أصوات القاهرة ودمجها بمقطوعات موسيقية جديداً للغاية في ثلاثينيات القرن الماضي، حتى كأنه كان يودّ تجسيد المشاهد الصوتية لمدينة القاهرة".

هذه المشاهد الصوتية، كان المؤلف الموسيقي المصري يرى أنه لا يمكن أن نرغمها على أن تكون منسجمة لا على أرض الواقع ولا من خلال الموسيقى. يقول بويغ "كان الضبع مؤمناً بفكرة الهارمونيا المتنافرة، وربما كان هذا التنافر في النغمات والأصوات من أبرز ملامح مقطوعاته حتى كأنه كان يود كسر نمطية معيّنة من الهارمونيا في التراتيل الكنسية التي نشأ على سماعها فانحاز للأصوات والنغمات العالية والمتنافرة بدون إيقاع واضح كموسيقى الزار مثلاً".

ألّف الضبع مقطوعته الموسيقية "تعبير الزار" عام 1944 بالاستعانة بتسجيلات أنجزها بنفسه داخل إحدى حفلات الزار وعمل عليها لينتج مقطوعة في 25 دقيقة استخدمتها راقصة البالية مارثا غراهام أثناء أحد عروضها. يقول بويغ "لم تكن مقطوعة "تعبير الزار" هي العمل الوحيد الذي بدا فيه حليم الضبع متأثراً بالزار فقد كان مفتوناً بكافة الأصوات التي تصدر في تلك الحفلات التي ينظّمها المصريون في بيوتهم من الضرب على الدف والصياح وغيرها وبدا أنه استلهم ذلك في أكثر من مقطوعة موسيقية له".

يصف بويغ موسيقى حليم الضبع بـ"الموسيقى الروحية رغم تنافرها إلا أنها تعلم طريقها لتحفيز التخيلات الأسطورية لعوالم الجن والأموات، رغم أن كل الأصوات واقعية وحياتية يستلهمها من الحياة اليومية العادية".

المساهمون