هموم شعرية: مع أحمد العجمي

19 مارس 2020
(أحمد العجمي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "أتاح الشعر العربي للذات المعذّبة القدرة على الخروج والتفسّح في إمكاناتها اللغوية والتخيلية، ولهذا تخشاه السلطات بأنواعها"، يقول الشاعر البحريني.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- لا أعرف قارئي، لكني أعرف خصائص القارئ النادر الذي لا يستلطف السائد والمتكرّر والقادم من الزمن القديم، وأعرف نوافذه اللامرئية التي يمدّ رقبته منها ليرى ويسمع ويشمّ ويلمس، أستكشفه وأستدرجه إلى اللعب والتحدّي. أنا لست شاعراً مقروءاً جماهيرياً، ولا أريد أن أقع في هذا الفخ، أكتفي بالمارّين من القلّة والفضوليين الذين لا يمتلكون عوائق تراثية ولا يُقادون إلى السهل الواضح. على الشاعر أن يخلق قارئه، ومن يفكّر في القارئ الجاهز فإنه لا يتعدّى المفصّل في الذائقة والتفكير المنتشريْن في الهواء، القارئ متعدّد التحوّل.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- أتساءل، هل هناك ناشر؟ لا أعتقد بوجود ناشر، بالمفهوم الثقافي المحض. هناك دور وساطة لم تتطوّر، لا تحت المفهوم الثقافي ولا التجاري. فهذه الدور، تأخذ نتاجك الفكري والأدبي وتأخذ أموالك، ولا أقول تستثمرها، لأنها غير قادرة على الاستثمار في الثقافة والأدب والفكر. إنها استنساخات لبعضها البعض وتتعارك ليس على خلق القارئ، وإنما على التخلّص من المنتج بإشعاره دائماً بأن لا قيمة لإنتاجه. أنا الآن لا أفكّر في إمكانية نجاح الناشر الورقي، أفكّر في الناشر السيبراني الذي يفعّل الزمن والمكان، الناشر المستقبلي الذي يتواصل مع كلّ قارئ بدون عوائق، القارئ الذي ليس له حنين للورق. المستقبل للنشر الإلكتروني، فأطفال اليوم هم قرّاء المستقبل، وهؤلاء أطفال شاشات متعدّدة. أنا اليوم المنتج والمخرج والناشر. هذا ما أتاحه لي ولغيري التطوّر التكنولوجي.


■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- من المفيد النشر في المجلات والجرائد، لكن من المهمّ النشر في المواقع والفضاءات السيبرانية. الجرائد والمجلات أوانٍ ذات عجلات بطيئة الانتقال والتواصل، ومنحشرة في جغرافيا محدّدة وهي في طريقها إلى الانحسار والموت. المستقبل في يد المحرّك الإلكتروني. من يفكّر في المستقبل يفكر من الآن في موت الورق وأرفف الكتب.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- نعم أنا أستثمر هذه الوسائل المرنة في النشر؛ أنشر على فيسبوك، وعلى تويتر، وعلى الإنستغرام، وعلى اليوتيوب، ومن خلال الواتس أب، وكذلك المدوّنات. وهذا النشر يحقّق لي إمكانيات كبيرة في الانتشار، وفي الاطلاع والتعرّف من قبل قرّاء من ثقافات أخرى. كما يجعلني أمزج التشكيل مع الشعر، وأمزج الموسيقى مع الشعر. وتتيح لي الطباعة والنشر السيبراني إمكانية الرجوع لما أنتجته والقيام بتصحيحه، أو تقويمه، أو تطويره بسهولة. لهذا، أنا اليوم نشرت عديداً من دواويني الجديدة، نشراً إلكترونياً، كما قمت بإعادة طباعة ونشر كلّ نتاجي القديم إلكترونياً.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- ليس لدي مواصفات لهذا القارئ، لكني أتحسّس بأنه أكثر مرونة وانفتاحاً من قارئ الأمس، إنه قارئ متخفٍ ولا يهمّه إبداء رأيه في الشعر. القارئ اللامرئي ربما يكتفي بالمرور والتذوّق ثم المغادرة، وهذا من طبيعة وتيرة الزمن. حتى لو افترضت أنه قارئ ما زال يتشكّل، فمن حقي الافتراض بأنه سيحصل على مساحة أوسع من الحرية ومن الاختيار، وستكون فردانيته قوية في التعامل مع الشعر والفنون الأخرى.


■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- لا أجزم بذلك اليوم، وإنما الاحتمالية مرتفعة لأسباب كثيرة؛ منها حاجة القارئ للاطلاع والتواصل مع ثقافات أخرى لا يستطيع فهم لغتها، كما أن وسائل التواصل السيبراني عرّفته على وجود هذه الأسماء وإنتاجاتها بشكل أفضل. وأخذت العولمة والثقافة الكوكبية تفرض استحقاقاتها في الفنون ومنها الشعر. والشاعر الكوني أو القارئ الكوني عليهما أن يذهبا للاستكشاف والتعلم عبر الترجمات. الفواصل تزول وخيوط الشبكة العالمية تترابط، والشعراء في طليعة من ينسج هذه الشبكة. أنا قارئ للشعر المترجم وأستفيد منه كثيراً، على مستوى التفكير والذائقة والمخيّلة وبناء الصورة والموضوعات.. إلخ.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

- للشعر العربي مزايا كثيرة مرتبطة بكينونته وبجوهر الشعر وتأثيراته في التفكير وفي المخيّلة؛ فالشعر يعلّم التركيز في التفكير والاختزال في البناء اللغوي للفكرة، كما أنه يجعل للمخيلة مساحة في الحياة ولولا قوّة المخيلة لمَات الأمل وانغلق باب الزمن. الشعر العربي يخلق خاصية الفضول وتجاوز الثالوث المحرم بفقهه الخاص، وبغموضه التأويلي. الشعر العربي فسح للذات المعذّبة والمأسورة القدرة على الخروج والتفسّح في إمكاناتها اللغوية والتخيلية، ولهذا تخشاه السلطات بأنواعها. وأرى أن من نقاط ضعف الشعر العربي هو احتفاظه بمرجعيته السلفية في الغنائية، وعدم التحرّر من الموسيقى الزائدة عن الحاجة، والحسيّة. ما زال الشعر العربي يرى السحر في ماضيه وليس في مستقبله، وتغلب عليه النزعة الأركيولوجية.


■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

- لا أتمنى استعادة أيّ شاعر عربي قديم، فهو لن يحضر إلا بما هو في الماضي. علينا الذهاب إلى المستقبل، وأرى شعراء كثيرين مبدعين وليس شاعراً منتصباً في الميدان. أحبّ قراءة الشعراء القدماء ضمن سياقهم الثقافي، لا من أجل استحضارهم واستنساخهم، الاستحضار جزء من القداسة.


■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

- أتمنى أن يتحرّر من سلفيته وقداسته وسحرية تراثه وسلطة آبائه، ويرفض أن يكون شعراؤه تابعين أو متبوعين. أتمنّى له التوجّه للمستقبل.


بطاقة

شاعر بحريني من مواليد 1958 في بلدة الدراز. من مجموعاته الشعرية: "هي جلوة ورؤى" (1987)، و"نسل المصابيح" (1990)، و"المناسك القرمزية" (1993)، و"زهرة الروع" (1995)، و"ربما أنا" (1999)، و"مساء في يدي" (2003)، و"أرى الموسيقى" (2007)، و"بانتظار الأوكسجين" (2007)، و"عند حافة الفم" (2009)، و"للحجر عقل مضيء" (2013)، و"خذ ملعقة صغيرة من الجنون" (2016)، و"داخل جوزة مكسورة" (2018)، و"وجوه ليست للطمأنينة" (ديوان رقمي/ 2019). كما نشّر كتاب "ظلال للهواء، أنطولوجيا الشعر في البحرين" (2007)، وكتاباً إلكترونياً بعنوان "آثار أقدام جرو السماء- أفكار في الشعر".

المساهمون