زياد عبد الله: أربع شخصيات تبحث عن اسم

31 أكتوبر 2016
بسيم الريّس/ سورية
+ الخط -

في مجموعته القصصية الجديدة "الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص"، الصادرة حديثاً عن "منشورات المتوسّط" في إيطاليا، يمزج الكاتب السوري، زياد عبد الله، بين الكاريكاتورية والسوداوية الشديدة في البناء السردي.

يضمّ العمل أربع قصص متفاوتة الحجم. وعلى الرغم من كونه مجموعة قصصية، أي أنه يتحرّر، بشكل أو بآخر، من لازمة نسق الترابط الموضوعي أو المزاج الأدبي، إلا أن القصص تحتفظ بالهواجس ذاتها، هواجس الوقت الثقيل والوحشة والمرارة، على لسان راوٍ بلا اسم.

في قصته الأولى "الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص"، تتداخل مجموعة كبيرة من الثنائيات التي تشكّل السمة الأبرز للمستوى السردي لحياة رجل تمدّه المدينة بكل أسباب الخوف والنكوص والوحشة. إنه الرجل الخائف حتى في لحظات خلوته بحبيبته، المتسائل دائماً عن "الرجل القابض على جهاز التحكّم بالمدينة"، يقول: "وقد أصبح جلدي مخطّطاً من ضربات العصي، لكن الأشد إيلاماً كان وابل الأحذية والنعال التي أُمطرت بها وأنا أولّي الأدبار"، ليستكمل: "هذه الواقعة تكرّرت معي في تجلّيات مختلفة، إذ إن الأحذية التي انهالت عليّ في مركز الأمن لم تكن مفارقة للأرجل".

نلمس في القصّة الثانية "الحوادث غير اليومية للطبيب الأخير" ما يشبه الهذيانات المترافقة مع الحروب. إنه آخر طبيب في مدينة تطحنها الحرب، وتطحن ساكنيها تناقضات الرغبة والموت والنجاة والأسئلة. وفي مستشفى أقرب ما يكون إلى ثكنة من العساكر والغرائب "تعاين الكاميرات منسوب حيلتي فتجده قليلاً، لا يكفي حتى للهرب".

لا يبتعد صاحب رواية "ديناميت" (2012) في قصّته الثالثة "راشق البيض السيّد بديع الصفّار" عن هواجس الوقت والأسلوب الحكائي الذي يتولّد من تلقاء ذاته لدى رجل من علية القوم يتورّط برشق سيارة مركونة في مدخل منزله بالبيض، لتتفتّح في ذهنه نوبات موجعة من ذكريات وأسئلة، ثم تختتم المجموعة نفسها بالقصّة الأخيرة "جزيرة الكنز"، وهي أقصر قصص المجموعة، والتي تأسّست على حوارية ممتدّة على امتداد القصّة، يسرد فيها وقائع رجل نجا من الغرق على جزيرة ليكتشف بعد ذلك أنه ليس الناجي الوحيد هنا، فتفشل مخطّطاته ليصبح "روبنسون كروزو" جديد.

يتّكأ صاحب "قبل الحبر بقليل" (2000) على مجازات لغوية مشغولة جيداً أضافت على البناء السردي ما يمكن أن يُطلَق عليه مزاوجة الصوت السردي بالصورة المرسومة، وعوّضت تماماً غياب الراوي عن الأحداث. ولعلّ المساحة الزمنية التي تفصل وقت حدوثها بزمن روايتها أتاحت لراوي الأحداث تلك المساحة المنبرية من الحكاء السوريالي والكاريكاتوري في ذات اللحظة، والتي تجسّدت في صور مثل: "ثلّة من رجال يرجمون امرأة بحبّات البطاطا، وجمع من الأطفال حولهم يهتفون تعيش البطاطا"، و"جماعة ترتدي زيّاً موحّداً من البدلات وربطات العنق السوداء، ويخوضون معركة ضارية مع ذباب وجوههم".

ورغم غرائبية أحداث المجموعة ودورانها في حالة من اللازمان واللامكان، إلا إن الإشارات الكثيفة التي تصل إلى دلالاتها بسهولة وسرعة، تجعل منها أقرب إلى أدب السخرية من الحروب وانسحاق الإنسان تحت عجلات السلطة القاهرة.

ينتمي عنوان العمل "الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص"، وهو عنوان القصة الأولى والأطول في المجموعة، إلى مجموعة العناوين ذات الدلالة الكاشفة للمضامين، فبتجاوزه للوقائع العجيبة في قصصه وللاسم الناقص للراوي، ولعلّه يحيلنا إلى عنوان رواية إميل حبيبي، "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، لما في العنوانين من مترادفات النقص والاختفاء.

وفي الوقت الذي يبدو اختفاء أبو النحس المتشائل اختفاءً بقرار ذاتي، يبدو الاسم المنقوص ناقصاً بقوّة تأثير خارجية، كان ثمنها سؤال الصدى الذي يتردّد في أجواء العمل: في المجاعات من يفكّر بالملح؟

دلالات
المساهمون