مع غزّة: إبراهيم مشارة

15 يوليو 2024
إبراهيم مشارة
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تأثير العدوان على غزة على الحياة اليومية والإبداعية:** الكاتب الجزائري إبراهيم مشارة يعبر عن قلقه من الصمت العربي تجاه العدوان على غزة، مشيرًا إلى تغير حياته اليومية منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، حيث يتابع الأخبار بقلق وإعجاب لشجاعة الفلسطينيين.

- **دور العمل الإبداعي في مواجهة العدوان:** مشارة يؤكد أن المقاومة ليست فقط بالسلاح بل بالفكر أيضًا، مشيرًا إلى دور الأدب والفن في دعم القضية الفلسطينية، ويشارك في كتاب جماعي بعنوان "الملحمة الفلسطينية".

- **رسائل للإنسان العربي وأطفال فلسطين:** مشارة يدعو العرب لدعم غزة بكل السبل، ويعتبر نصرة غزة جواز سفر للعالم العربي لدخول التاريخ بكرامة. يوجه رسالة مؤثرة لأطفال فلسطين، مشيرًا إلى معاناتهم وشجاعتهم.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية. "إذا نصرنا غزّة وانتصرنا بها، حقّقنا وجودنا الحضاري ودخلنا قلب التاريخ من جديد"، يقول الكاتب الجزائري إبراهيم مشارة.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍعلى غزّة؟

- ما يشغلني، بصفتي مثقّفاً عربياً، هو الصمت والخذلان العربيّان إلى درجة التواطؤ، خصوصاً ونحن نشهد أكبر مجزرة وإبادة عبر التاريخ. لا يقع اللوم على الجماهير العربية التي عبّرت عن مساندتها لأهلنا في غزّة، وهي عزلاء تعيش في دوّامة من الانفعالات والتذمّر من الصمت السياسي، إذا وضعنا في الحسبان أنّ قمّة "منظّمة المؤتمر الإسلامي" في جدّة لم تستطع تفعيل المقاطعة ودفع الدول المطبّعة إلى قطع العلاقات مع الكيان الغاصب، وأنّ هذه البلدان لم تستطع إدخال حتى قارورة ماء أو لقمة طعام للجائعين، ثمّ نفاق السياسة الدولية خصوصاً الغربية، فكُن أيّ إنسان، فلك حقوق، إلّا أن تكون عربياً.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- منذ اندلاع "طوفان الأقصى" تغيّرت طبيعة حياتي؛ فصار اليوم مواكبة للأحداث عبر متابعة الأخبار، أعني أخبار المجازر الصهيونية، والتي فاقت في بربريتها كلّ المجازر التي حدّثنا عنها التاريخ، كما أُتابع بإعجاب شديد شجاعة المقاتلين البواسل وصمودهم ومهارتهم من مختلف الفصائل الفلسطينية، وإنّها لفضيحة لـ"إسرائيل" التي ادّعت لعقود أنها تملك جيشاً لا يُقهر، فإذا به يغرق في رمال غزّة وتطمره شجاعة المقاتلين. ينفطر القلب من هول المذابح التي راح ضحيّتها الأطفال والنساء والشيوخ والعُزّل، وكلّ ذلك موثّق وسيتحوّل إلى ملفّ كامل يُدين "إسرائيل" إلى الأبد.


■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- المقاومة كما تكون بالسلاح تكون بالفكر، ومعركتنا مع "إسرائيل" فكرية وحضارية في الأساس، ولا ننسى أنّ الثورة الجزائرية كان فيها شاعِرٌ مُبدع مثل مفدي زكريا، وهكذا فدعمُ القضية الفلسطينية، كما دعمَها أبناؤها غسّان كنفاني ومحمود درويش وعبد الرحيم محمود وفدوى طوقان، حملَها إلى العالم، واليوم الكتابة والشعر والسينما وحتى الرياضة تُعرّف بالقضية، خصوصاً في ظلّ هيمنة إعلامية صهيونية تزيّف الحقائق وتنقل صوراً مشوّهة إلى العالَم. شخصياً، شاركتُ مع مجموعة من الكتّاب العرب في كتاب بعنوان "الملحمة الفلسطينية: مقالات للفيف من الكتّاب والمفكّرين العرب"، طُبع في مصر وشارك في "معرض القاهرة للكتاب"، وخُصّصت مبيعاته لأهلنا في غزّة. قدّم للكتاب فهمي هويدي وعماد الدين خليل.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- لا أحبّ السياسة مُمارسةً مباشرةً، ويعجبني قول الباحث حسين فوزي، حجّة الدراسات الأندلسية، حين سُئل لمَ لا يمارس السياسة، إنّه حين يكتب عن تاريخ الأندلس يُمارس السياسة من موقعه، وهكذا فالكتابة النزيهة والمعبّرة عن الشرط الإنساني هي مُمارَسة سياسية غير مباشرة، أمّا الممارسة السياسية بقصد المغانم والتموقع فهذه أمقتها. أنا راضٍ بقَدَر الكتابة، ولو قُيّض لي اختيار الطريق من جديد سأختار الكتابة.

هل هذا قدر أطفال غزّة من حضارة القرن الحادي والعشرين؟

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- إذا كان العِلم قد قطع بنا أشواطاً بعيدة في مضمار الاكتشاف، وتحويل تلك المُكتشفات إلى مخترعات، فإنّنا نشهد تراجعاً في مجال الحقوق الإنسانية. أُشير، هنا، إلى التفاوت بين الشمال والجنوب والعنصرية والأفكار المتطرّفة وانتشار الفقر والأمراض والجوع، من دون أن ننسى أنّ ثروة العالَم بيد أشخاص معدودين، فنشرُ العدالة - ولو نسبياً - والقضاء على الفقر والأمراض وتخفيف حدّة صراع الطبقات لصالح التجانس النسبي يجعل سكّان الكوكب في حالة أقرب إلى شرط إنساني مقبول يقوم على الاحترام والمثاقفة وتبادل المصالح، أمّا بهذا الشكل فنحن سائرون إلى مجاهيل الله أعلم بنهاياتها.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- غيلان الدمشقي الذي جمَع بين العِلم والصلاح والجُرأة. لقد قاوم بني أميّة واعتبر أملاكهم غير مشروعة، وطالب بِرَدّها إلى بيت المال، واقترب من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، بغرض خدمة الصالح العام، لكن الأوليغارشية الأموية تخلّصت منه بتدبير تهمة الزندقة واغتالته في محاكمة ظالمة. فلو لقيتُه اليوم لقلتُ له إنّ الذي ناضلتَ واستشهدتَ من أجله لا نزال نُعاني ويلاته إلى اليوم، أقصد الظلم السياسي وتحالف وعّاظ السلاطين والمثقّفين المُزيّفين مع الطغيان السياسي.


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- أبهرتمونا، علّمتمونا معنى الكرامة والرِّفعة وأعطيتم لنا درساً في معنى الحياة الكريمة، ومعنى الاستبسال ومعنى الثقة في الله وفي النفس والشجاعة، ما من بيت إلّا وفيه شهداء ومع ذلك تُواصلون الصمود والشدّ على يد المقاومة ودعمها والإشادة بها، بالرغم من محاولات إحداث الشرخ بين شعب غزّة والمقاومة، ولكن كلّ ذلك باء بالفشل الذريع.


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- غزّة هي قلب الحدث اليوم، وأنتَ أيها العربي على موعد مع التاريخ لتدخُل مَتنه بعد أن عشتَ أحقاباً على هامشه، قضيّة غزّة هي قضيّتك فادعمها بكُلّ السبل المتاحة واعتبِرها جواز سفر إلى القرن الحادي والعشرين ليأخذ فيه العالَمُ العربي موقعاً كريماً بين الدول ويكون له كيان مُحترم، فالنظرة الغربية استعلائية لا ترى فينا إلّا حقول نفط وآبار غاز وأسواقاً لتفريغ البضائع. إذا نصرنا غزّة وانتصرنا بها حقّقنا وجودنا الحضاري ودخلنا قلب التاريخ من جديد.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- دارين... قمر بسّام، جرحٌ يقطر ضوءاً، إنّها شاهد على همجية "إسرائيل" وعلى ما يُرتكب في حقّ الطفولة. وإذا كان أطفال العالَم ينعمون، مع والديهم، بالتعليم والسكن والمعاش الطيّب والترفيه، فإنّ أطفال غزّة عاشوا الويلات وشاهدوا ما لم تشاهده عيون البشر؛ أفتك الأسلحة وهي تقتل ببرودة أعصاب وأبشع أنواع الدمار، فهل هذا قدر أطفال غزّة وقدر دارين من حضارة الإنسان في القرن الحادي والعشرين؟ دارين تفتح الطريق نحو العدالة والحقّ والنصر للقضية.



بطاقة

ناقد وقاصّ جزائري من مواليد زمّورة في برج بوعريريج عام 1967. من مؤلّفاته في النقد: "وهج الأربعين" (2007)، و"أوراق أدبية" (2016)، و"ما تبقّى لي" (2023)، و"مرايا ذاكرة نقدية للنص" (2024)، وفي القصّة القصيرة: "ديوان الحكايا" (2010). شارك في كتاب جماعي صدر مطلع العام الجاري بعنوان "الملحمة الفلسطينية: مقالات للفيف من الكتّاب والمفكّرين العرب".

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون