لسنا التفاحة التي نأكلها

07 ابريل 2017
(عبد الرحمن منيف في مكتبه)
+ الخط -

كتب الباحث العراقي فالح عبد الجبار مقالة يتهم فيها عبد الرحمن منيف بانتحال مذكرات سجين عراقي اسمه حيدر الشيخ علي، دون الإشارة إلى هذا المصدر في روايته " الآن... هنا". وسبق أن واجه روائيون كثر مثل هذه التهمة، منهم إيان ماك إيوان الذي اتهم أنه انتحل أجزاء من روايته "الكفارة" من كتاب "لا وقت للحب" لـ لوسيلا أندروز. وكذلك حدث مع دان براون ويوسف زيدان والعشرات غيرهما.

ما الذي يحدث حين يستند الروائي في كتابة روايته إلى مراجع خارجية؟ من يعرف كيف تكتب الرواية، يعلم أنها تتم من خلال عمليات القص، والإلغاء، والحذف، والإضافة، إذ لا يمكن أن يكون بين أيدينا عمل جدير باسم الرواية دون هذه الإجراءات التقنية التي تلغي النص الأصلي تقريباً، كما تلغي المرجع الواقعي، أو تعيد خلقه من جديد، لا في الزمن وحده، أو في المكان، بل في طبيعة الشخصيات، وفي حوارها البيني، أو في المونولوغات التي يمكن أن تحاور بها ذاتها في مواجهة العالم الخارجي.

هذه أمور يبتكرها الروائي. وهي التي تمنح روايته فرادتها، وصوتها، أو خصوصيّتها التي تختلف، أو تتباين، مع طبيعة المذكرات من خلال بنية النص. وفي هذه البنية بالذات يمكن نقض اتهامات الانتحال، حيث تختلف الرسالة. ومن الراجح أن تكون لدى كاتب المذكّرات رؤيا أخرى مختلفة بالضرورة، بسبب اختلاف الأفكار، والزمن، والتجربة.

والأمر نفسه تقريباً يتعلّق بانتقال الحكايات إلى الروايات، ومن النادر أن نجد روائياً كتب رواية استناداً إلى الخيال وحده بالمطلق، هذا مستحيل من الناحية الإبداعية والإجرائية، ويعرف من قرأ "الأحمر والأسود" لـ ستندال أن الروائي قد اقتبس فكرتها، من "حادثة مأساوية واقعية حدثت بالفعل في إحدى المقاطعات الفرنسية، وأضاف إليها ستندال (الإضافة هي أيضاً أحد مستلزمات الكتابة الروائية) ما رآه لازماً لشخوصه" حسب ما تقول مقدمة الترجمة العربية. وما "رآه لازماً لشخوصه" هو ما يشير إلى فرادة النص الروائي، وأصالته، واختلافه عن النص الآخر الذي يُتهم الروائي أنه اقتبسه، أو سرقه.

ما يمكن أن يقال عن المصادر المكتوبة، يصلح للقول عن أحداث الواقع التي يجري الروائي عليها عملية تمثيل ضوئي، أو هضم، أو إعادة تدوير، كي تشكل بنية فنية جديدة، تسير فيها الشخصيات في حقل نصيّ آخر سوف يطلق عليه القرّاء والنقّاد اسم: رواية. وهي عمل مستقل تماماً عن أي مصدر من المصادر التي يمكن أن يكون قد استقى منها بعض الشخصيات، أو الأحداث. بل إن الشخصيات نفسها تتعرّض في النص الروائي، لإعادة خلق تجعلها مختلفة عن الشخصية الأصل.

وإذا ما نشرت مذكرات السجين العراقي التي تشير إليها المقالة ذات يوم، فإن المقارنة بين النص الروائي ونص المذكرات سيكون عاملاً من عوامل إثراء التجربة الروائية بوجه عام. وهذا الأمر يتطلّب، بالضرورة، إجراء مقارنة بين العملين في أكثر من منحى: اللغة مثلاً، والتقنيات الكتابية، والفحص الداخلي لعالم الشخصية، أو لعالم الشخصيات الأخرى. فنحن أنفسنا، كما يقال، لسنا التفاحة التي نأكلها.

المساهمون