"عِوض أن يبقى السماع الصوفيّ دفين الزوايا والتكايا، كان لا بُدّ من إخراج هذا الفكر إلى خشبات المسارح، ورفع اسم ابن عربي في الآفاق". هذا ملخص مشروع فرقة "ابن عربي" المغربية التي تأسّست عام 1993، على يد الباحث في الدراسات الصوفية وتلميذ الزاوية الصديقية في طنجة، أحمد الخليع.
تشكلت الفرقة نتيجة ظروف شخصية تتعلق باهتمام الخليع بالسماع الصوفي منذ الصغر. بدأت التجربة بصورة فردية لديه، وكان لا بُدّ من مساعدة الأقارب أو العلماء لأنّه من الصعب "أن تأخذ فكراً وتصوغه صياغة فنية ما، لأن الفنان إذا لم يكن يبحث عن نفسه في هذا الفكر، سيكون مجرّد باحث عن المال ولقمة العيش" كما يقول الخليع في حديثه لـ "العربي الجديد". ويضيف: "كان يجب البحث عمّن هو قريب منك ويحبّ ذلك الفن".
لا تعمل فرقة "ابن عربي" في ألحانها انطلاقاً من كون الآلات هي مصدر نغمي وحسب، إنّما لكلّ آلةٍ مرجع لديهم، يساهم في تشكيل فهمهم لها ولدورها الذي تلعبه مع كلّ قصيدةٍ يُلحّنونها.
تتكوّن الفرقة من ستة عازفين هم أسامة الخليع (الكمان الأندلسي أو الجهير المغربي) وهارون طبول (العود والطنبور البغدادي) وعبد الواحد الصنهاجي (الناي الرخيم) كيفان شيميراني وأنطون مورينو (الدف والزرب).
يقول سادسهم، أحمد الخليع (قانون): "تحدثت الصوفية عن العود وتأثيراته، فقال عبد الغني النابلسي الدمشقي مؤلف كتاب "إتحاف ذوي الألباب بالمعاني المستخرجة من الناي والشبّاب": "أردت أن أذكر ما علّمني إياه الله سبحانه وتعالى من معاني الآلات الموسيقية". نحن نحاول نقل تلك المعاني التي تحدّث عنها في الناي الرخيم أو في الكمان الجهير أو في الكمان الأندلسي وأوتار العود والطنبور".
ويضيف: "والنّاي، أو "الإنسان الكامل"، كما قال أبو العباس الغزالي في كتابه "بوارق الإلماع في الرد على من أنكر السماع بإجماع"، له دلالة نفخ الله روحه في الإنسان، حتى ثقوبه التسعة هي نفسها ثقوب الإنسان الظاهرة والباطنة. والبندير، أو الدف، هو دائرة الأكوان والجلد المركب عليه هو الإنسان الذي وُجد من تلك الدائرة. أما القانون فهو القانون الإلهي الحق المسيّر للأرواح من بدايتها إلى نهايتها وكل شيء بقدر، فأوتارها إشارة إلى ترتيب الله للكون وتسييره له بقدر".
تستمد "ابن عربي" ألحانها من إرث قديم، اعتمدت فيها المقامات الأندلسية الأصل، مثل مقام رمل الماية والحجاز والنهاوند. يقول الخليع: "فكرُنا الموسيقي هو فكر كل الصوفية بكل مكان وزمان من صاحب "كشف المحجوب" للباكستاني الهجويري إلى الإمام الشاذلي المغربي ومولانا عبد السلام بن مشيش إلى ابن عربي، وهو فكر واحد لا يتغير. لقد سمعت مقام السيكا عند نساء صوفيات مغربيات يتغنين به في البادية الشمالية، هو نفسه، بنفس درجاته، عند أولياء قونية؛ لأنه يؤدي دوراً ما في المديح والتغني بالخمرة الإلهية".
انطلاقاً من هذا الفهم، توظّف "ابن عربي" المقامات الموسيقية في أعمالها؛ إذ تنسج علاقات بين ما يسميه الخليع "المقام الروحي" والمقام الموسيقي. يقول: "مثلاً، لا يمكن لبيت كـ "شربنا على ذِكر الحبيب مدامة.. سكرنا من قبل أن يخلق الكرم"، أن يتناسب مع مقام العشّاق، فلهذا البيت مقاماته الأخرى التي يُمكن أن توضع له".
الغريب، أن الخليع ينفي وجود موسيقى صوفية، فبرأيه: "الصوفي هو المستَمِع وليس المُسّمِع". ويضيف: "النّص الشعري هو النّص الصوفي، وهذا لا يمنح الموسيقى الصفة نفسها، لأنها تعتمد على الملحّن الذي تختلف موسيقاه عن ملحّن آخر. ليست الموسيقى هي صاحبة الأثر الأقوى، وإنمّا المُستمع".