ماذا أفعل الآن في بغداد؟

21 مارس 2020
مقطع من عمل لـ رافع الناصري
+ الخط -

إلى فارس الكامل

أكملت سنتين في بغداد، ماذا أفعل الآن أخبرني؟
أنا كما تعرف أسكن هنا، مقابل واحد من أشهر مطاعم العاصمة. يستقبل ما يقارب ألف شخص يومياً، المطعم من دون شبابيك، بحائط طويل وباب صغير، لا أعرف كيف للناس أن تنجذب إليه؟ أو أن تصدق أنه مطعم وليس مقرّ الفرقة الخامسة.

ما عرفته عن تاريخ هذا المطعم أنه قد تعرّض للتفجير في عام 2014. قتل فيه خمسة أشخاص وجرح ما لا يقل عن عشرين شخصاً. محرّك السيارة التي انفجرت حلّق من مكانه ليدخل في نافذة الشقة التي في الطابق الثاني، وبعد ستة أعوام من تلك الحادثة، لم يشعر الناس أنهم في أمان ولم يفكر مالك المطعم بأن يعيد له النوافذ.

يجاورني في السكن حنش الذي يعمل مشجّعاً في أحد الأندية الجماهيرية. حنش لا يفعل شيئاً سوى شرب العرق والتأكد من غلق باب العمارة قبل الثانية عشرة ليلاً. يبدو أنه يخاف من بغداد.

إلى القرب من مكان سكناي "مجمّع الليث" الذي تعرّض لانفجار مريع قبل خمسة أعوام، كلّما مررت به شعرت بالضيق، وكلّما استقبلت صديقا من خارج بغداد ومررنا هناك أقف عنده، وأخبره أنه "مجمّع الليث" الذي التهم الناس. ومرّة قد استقبلت أخي عندي، وكان معي جمع من الناس وعندما وصلنا "الليث" تأخرت عنهم وأخبرته أنه مجمع الليث وكأنني أشير إلى مَعْلَم حضاري. هذا ما تكرّر مع صديقي منتظر الذي لاحظت أنه تأخر أيضاً بخطوة، ليقول لأخيه، الذي كان يتبعنا في الخلف: "ولك هذا مجمع الليث".

يخاف الناس هذا المكان وحتى بعد إعادة إعماره لم يجرؤ أحد أن يستأجر فيه دكاناً في الطابق العلوي أو السرداب، اقتصر افتتاحه على الدكاكين الأمامية المطلّة على الشارع فقط. الكل يفكر بأن يتجنب ما حدث للشبّان الذين احترقوا هناك داخل المبنى.

اليوم بعد أن أكملتُ سنتين في بغداد، وفي هذا اليوم المميز تعرّض محل لصياغة الذهب في رأس الشارع للنهب بعد أن تركوا جثة صاحبه قرب الباب. لك أن تتخيّل شارعاً مزدحماً مثل "الكرادة داخل"، تحدث فيه جريمة كهذه وسط النهار.

خلال الأشهر القليلة راقبت سقوط 700 شاب قتلى، وإعاقة عشرين ألفاً غيرهم، وخطف المئات من الناشطين والصحافيين والأشخاص العاديين. إضافة إلى القذائف التي تسقط بالقرب منا.
ومع تفشي الوباء وهذه الأحاديث عن "هبوط أسعار النفط"،
أكرر السؤال على نفسي، ماذا أفعل الآن؟
وأسألك أيضاً،
لقد مرّت سنتان، ماذا أفعل الآن؟


* كاتب عراقي من مواليد مدينة البصرة عام 1993 ويقيم في بغداد. حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحياة من جامعة القادسية في العراق، قبل أن يتجه إلى العمل في مجال النشر وصناعة وتسويق الكتاب. نشر له العديد من القصص، وستصدر روايته الأولى قريباً بعنوان "خطة لإنقاذ العالم".

دلالات
المساهمون