محمد بوزورجي: معمارُ الحرف ودواماته

27 يونيو 2015
من أعمال المعرض (أكريليك على قماش، 183×236 سم)
+ الخط -

ما تزال محاولات التجديد في الأعمال التشكيلية الحروفية قائمةً، وما يزال فنانّون كثيرون يحاولون اقتراح ثيماتٍ وأساليب تخصّ كلّ واحد منهم، من خلال أسلوبيات تشكيلية فارقة.

في عالمنا العربي، تستوقفنا تجارب عدّة، مثل الفنان السوري منير الشعراني (1952) والجزائري حمزة بونوا (1979) والأردني عمر بلبيسي والعراقي وسام شوكت، وغيرهم من الذين يسعون إلى اجتراح آفاقٍ جديدة يتمكّن من خلالها الحرف العربي أن يعود ويضع نفسه في واجهة الحركة التشكيلية العربية والعالمية.

من جهة أخرى، نلاحظ أنّ بلداً مثل إيران أيضاً، يقدّم مجموعة تجارب لافتة، تتّخذ من الحرف العربي مصدراً لهويتها ومنجزها الفنيين، مثل الفنانة آزرا أغيغي بخشايشي (1968) ومحمد إحصائي (1939) ومحمد بوزورجي (1978) الذي يُقام له حاليّاً معرض في "غاليري أيام" في دبي، ويستمر حتى 30 تموز/ يوليو المقبل.

لا يُمكن للمشاهد أن يجد نصّاً صالحاً للقراءة في لوحات بوزورجي. فالحرف، كما يبدو في أعماله، ليس مادّة لغوية وحسب، بل هو مُعطىً تجريديّ، يتحرّكُ في فضاء اللوحة بمرونة وانسيابية، ليكوّن أشكالاً قد تبدو للحظة وأنّها كمّ هائل من الأسماك السابحة بإيقاع وتسارع محدّدَين.

يرتكز الفنان الإيراني في أعماله على الأثر التشكيلي للحروف، بغضّ النظر عن النص الذي يعتمد على رسمه، ولو كان كثير من نصوصه آيات قرآنية، إلا أنّه يحاول أن يخلق مظهراً بصريّاً لها، مظهراً غير اعتيادي، من خلال إنجاز معظم أعماله على شكل دوامات، تضع المتلقّي أمام دوائر لا تنتهي.

من أعمال المعرض، (أكريليك على قماش، 364 × 575 سم)


حين ننظر إلى اللوحة، قد تسبّب لنا لوهلة شعوراً بالدّوار، أو بشيء من الزوغان البصري، لما يعتمده الفنان من أشكال هندسية ودوّامات. لعلّ حسّاً صوفيّاً يطفو على هذه الأعمال، التي تمنح الناظر إليها عين الصّقر، إذ يحدّق من علٍ في مجموعة من الدراويش الذي لا يكفّون عن الدوران حول أنفسهم.

إلى جانب ذلك، يذهب بوزورجي في أعماله إلى استخدام تقنية التّماثل المُنبثق عن الحس المعماري الذي تُبنى الأعمال انطلاقاً منه. ففي اللوحة، نرى أنّ النصف الأيمن منها هو نفسه الأيسر؛ وكأنّه وضع مرآةً في الجهة المقابلة، تعكس العمل مرّة أخرى. كما أنّنا نرى مضلّعات خماسية وسداسية تشكّل الإطار الذي يتحرّك العمل فيه.

أكثر من 25 عملاً، تراوحت بين الملوّنة، وتلك التي اكتفى فيها باللونين الأبيض والأسود، أُنجزت بالخطّ الفارسي، يقترحها بوزورجي في معرضه، الذي يتضّح فيه أنّه ما يزال أمام الحرف العربيّ آفاق واسعة لم يطأها أحد بعد، بإمكانه من خلالها أن يكرّس نفسه أكثر وأكثر كعنصر بارز في الحراك التشكيلي المشرقي والغربي على حدّ سواء.

المساهمون