عاريةً كانت تقفُ في منتصف الشارع، على بُعد خطواتٍ من "المسجد العتيق". ودون أن يُشيحوا النظر عن انحناءاتها، كان الناس يمرّون أمامها، أو يقصدونها للارتواء من الماء المتدفّق تحت قدميها المرمريتين.
لم يذهب عن الناس حياؤهم، لكن سكّان سطيف التي تُوصف بأنها مدينة "محافظة"، عرفوا كيف "يتصالحون" مع تلك القطعة الفنية، انطلاقاً من وعيهم بأنها قطعة فنيّة، ليس أكثر.
تقول إحدى الروايات إن فنّاناً يُدعى فرانسيس دو سانت فيدال، نحتها تخليداً لامرأة وقع في حبّها حاكم فرنسي فاختطفها من حبيبها، وتذهب أخرى إلى أن القصد من وضعها في ذلك المكان تحديداً هو "خدش" الحياء العام.
أيّاً كان، ظلّت منتصبةً هناك منذ 1898، حين نُقلت من "متحف الفنون الجميلة" في باريس، بل إنها أصبحت رمزاً لتلك المدينة الجزائرية، وجزءًا لا يتجزّأ منها.
في التسعينيات، اهتزّت المدينة على وقع تفجير استهدف "عين الفوّارة"، وكان ذلك جزءاً من مرحلةً عبثية طل فيها العنف والدمار كلَّ ما يمتّ إلى قيم الحياة بصلة. رُمّم التمثال وأُعيد إلى مكانه في أقلّ من 24 ساعةً، لكن تشقّقاته ما زالت تُذكّر بذلك الزمن البغيض.
هل رحل ذلك الزمن إلى غير رجعة؟ هل بإمكان الفاتنة أن تستمرّ واقفةً في أمان؟ كم هي مخيفةٌ تلك الصور القادمة من سورية والعراق، وكم هي مؤسفة تلك الأصوات التي يتعالى بعضها، دون حياء، عبر الشبكات الاجتماعية لإزالتها، بحجّة أنها "صنم" وأنها "عارية".