"طه": ليست سيرة معتادة

07 يونيو 2015
عامر حليحل في مسرحية "طه" (تصوير: وائل واكيم)
+ الخط -

قليلة هي الأعمال المسرحية الجادة التي تحافظ على وتيرة نجاحها وتواصل عروضها لأكثر من عام - لا سيما في فلسطين المحتلة حيث يعمل المسرحي الفلسطيني في بيئة أقل ما يقال فيها إنها غير مثالية - وتترك لدى المتفرجين أثراً كبيراً ربما يدفعهم لمشاهدة العرض مرة ثانية.

أحد هذه الأعمال مسرحية "طه" التي تروي سيرة وحياة الشاعر الفلسطيني الراحل طه محمد علي (1931 - 2011)، وهي من تأليف وتمثيل الفنان الفلسطيني عامر حليحل وإخراج يوسف أبو وردة، إذ ما زالت المسرحية متواصلة رغم أنها تجاوزت أربعين عرضاً منذ انطلاقها في حزيران/يونيو 2014، وتنقّلها بين المدن الفلسطينية من حيفا إلى القدس والناصرة ورام الله وغيرها.

تمكّن حليحل من تقديم عمل عن حياة شاعر لم يرتبط اسمه بشعر المقاومة في الفترة التي هيمن فيها على المشهد الأدبي هذا النمط من الكتابة التي أصبح شعراؤها من الأسماء المعروفة عربياً، بينما هُمّشت أصوات ابتعدت عن التثوير الجماهيري في قصائدها.

وبالنظر على سبيل المثال إلى قصيدته "شرخ في الجمجمة" المكتوبة عام 1971 وتتحدث عن وفاة "مُدرِّبُ المدرسة"، يمكن ملاحظة اللغة والمخيلة المختلفتين: "لا شيء كالفاجعةِ/ يُعيدُ خَدَمَ المقابرِ/ إلى لُغةِ الأمِّ/ أخذَ المسكينُ يَشْهَقُ بالأرمَنيّةِ: "سأحمِيكَ سأحمِيكَ... يا ابنَ أمةِ اللهِ منَ القاقِ والضّباعِ المُرقّطَةِ. نَقَشوا على قَبْرِهِ مواضيعَ إنشاءٍ/ نَقَلوها من أصقَاعَ نائيةٍ/ على عَرَباتِ خيلٍ/ مَنَعوا التجَوُلَ/ وطافُوا بهِ في البَراري والمُستَنْقَعاتِ/ كَيْ يَحفظَهُ الرَّبُّ عَن ظَهْرِ قَلْبْ!".

نجح العمل في استعادة صاحب "ضحك على ذقون القتلة" من خلال قصته الشخصية بتفاصيلها كإنسان فلسطيني عادي، من دون الوقوع في الكليشيهات السياسية خلال استحضار النكبة وعودة ابن صفورية الذي لجأ إلى لبنان سنة 1948 ثم عاد إلى الناصرة في السنة التي تليها، ليعيش ويعمل فيها ويدير متجره الصغير لبيع التذكارات بالقرب من كنيسة البشارة.

ربما تكمن قوّة عمل حليحل وأهميته في أنه يسرد قصة الشاعر الذي ظل في وطنه بعد النكبة، بكل ما في الحكاية من تناقضات، وبهذا تكون سيرة طه محمد علي المثيرة والمركّبة مثالاً لسيرة آلاف الفلسطينيين من أبناء ذلك الجيل، بل أجيال لاحقة أيضاً، فلدى وقوفه على المسرح حوّل حليحل سيرة الشاعر إلى قصّته الشخصية، حتى إن المتفرج يشعر معها أن من يقف على خشبة المسرح هو طه محمد علي نفسه.

ولأن العمل المسرحي محكوم بقواعد معينة لا تسمح بأن يحتل النص الشعري مساحات كبيرة منه، أعدّ حليحل عملاً خاصاً بأشعار علي أطلق عليه "الباشق" بمشاركة الموسيقي فرج سليمان، قدّم من خلاله مجموعة من قصائد الشاعر بصوته تناولت محطات مركزية في حياته، والتي عُرضت في عدد من الأمسيات.

تكشف مسرحية "طه" عن شخصية الشاعر الفريدة التي عُرفت على نطاق ضيّق، وظل صاحبها اسماً جديداً، لا سيما لدى الأجيال التي لم تعاصره ولم تقرأه.

المساهمون