معايير فنية جديدة: صناعات اليوتيوب ومفارقاتها

09 سبتمبر 2015
"مجاز"، فيصل سمرا/ السعودية
+ الخط -

أكثر من عشر سنوات مضت على رفع فيديو "أنا في حديقة الحيوانات" على الموقع الشهير يوتيوب يوم 23 أبريل 2005، باعتباره أول فيديو تمت مشاركته والتفاعل معه.

الآن، وبعد مُضيّ عقد على هذا الحدث أصبح هذا الموقع غولاً افتراضياً، وتضاعفت شعبيّته بشكل لم يكن يتوقعه مؤسّسوه الثلاثة (جاود كريم وستيف تشين وتشاد هيرلي). وصار بعد ذلك تابعاً لشركة غوغل التي اشترته من مؤسسيه بمبلغ 1.65 مليار دولار، وهو يصنّف ثالث أكثر المواقع شعبية في العالم بعد غوغل وفيسبوك.

لقد أعطى هذا الموقع إمكانات كبيرة وغير مسبوقة على مستوى الوصول إلى الفيديو ونشره، وفرَض نمطاً ديمقراطياً جديداً على العالم، بل حتى الحكومات التي كانت قد حذّرت منه رضخت لسلطته في نهاية المطاف.

ومن ضمن الخدمات الكثيرة التي يوفّرها اليوتيوب، سواء للفنانين أو المعلنين، سهولة الوصول إلى الفيديوهات التي ينشرونها على قنواتهم ومشاركتها من طرف أي كان. ومع النجاح الكبير للموقع صارت نسبة المشاهدات عامل جذب للمعلنين كما هو الأمر في باقي الصناعات الأخرى.

تشكل المواد الفنيّة من الموسيقى إلى السينما من أكثر ما يبحث عنه متابعو الموقع، وقد صارت نسبة المشاهدات على اليوتوب مقياساً مهماً لتقييم الأغاني والأفلام وبالتالي تقييم الفن، بوسائل لم يكن للناس عهد بها في الماضي.

وباستطاعة الرقم الموجود أسفل الفيديو الذي يشير إلى عدد مرات المشاهدة أن يمنح صاحبه الشهرة والثروة، هكذا بكل بساطة، أي أن بإمكان مستعملي اليوتيوب صناعة نجومهم وفق معيار المشاهدة.

المزعج في كل هذا، أن النظر إلى نسبة المشاهدات صار أشبه بالحكم الجماهيري وتحديد مصير الفيديو وصاحبه، واختلط الحكم مع النقد الفنّي الذي لم يعد يعني أحداً، في ظل الانسياق وراء ما يجذب المتعة، والتلقّي المعولم دون النظر إلى قواعد الفن المعروفة.

عملياً، طريقة المشاهدة على اليوتيوب لا تعني أكثر من الوصول إلى منتوج فني بسهولة شديدة، ولا ينبغي للرقم الموجود أسفل الفيديو أن يعني شيئاً أيضاً، إذ بإمكان الشخص نفسه أن يشاهد الفيديو نفسه مرات عديدة تصل حد قدرته على تحديث صفحة الشريط الذي يشاهده، أي بالإمكان رفع هذه الإحصائيات بطريقة مقصودة من فنان أو من جيوش معجبيه، دون أن يغيب عن بالنا وجود طرق أخرى لزيادة عدد المشاهدات بأضعاف.

ويبقى الفيديو الأكثر مشاهدة على اليوتيوب كليب أغنية "غانغام ستايل" للكوري ساي الذي تجاوز عدد مشاهديه ملياري مشاهد وهو رقم لم يستوعبه اليوتيوب، ما اضطرّ القائمين عليه إلى تطوير عدّادات الأرقام، وهناك أغنية "بايبي" للكندي جاستن بيبر التي تجاوزت 800 مليون مشاهدة.

أما عربياً، فقد حققت مؤخراً أغنية "المعلم" للمغربي سعد المجرّد أكثر من 135 مليون مشاهدة كأكثر كليب عربي مشاهدة على اليوتيوب. في النهاية، ماذا يمثل هؤلاء الثلاثة في تاريخ الفن والغناء؟ لا شيء حقيقياً جداً.. وهذه هي حقيقة اليوتيوب!

دلالات
المساهمون