تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- أعتبر نفسي شاعراً سرّياً، أكتب لنفسي وللأصدقاء. لستُ متأكداً من معايير المقروئية لكنني أسعد كثيراً عندما أفاجأ بوقوع كتبي أو بعضٍ من قصائدي في أيدي أناس من بلاد أخرى. لا شك أن للشعر أيضاً مسالكه السرية ليصل إلى من يحبّه.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ وهل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- نشرتُ في مؤسسات مختلفة، على مدى العقدين الماضيين، ثم عدتُ إلى التعامل مع "دار الجديد"، ناشرة أول دواويني وأحدثها عهداً. مُديرتها رشا الأمير صاحبة ذائقة وعناية بالكتب والشعر واللغة، وهل أجمل من أن يتشاطر الكاتب والناشر عشق اللغة وغوايتها؟ مع الأسف، نشرُ الشعر يظل محدوداً، والعوائق الكثيرة في العالم الناطق بالعربية هي نفسها سواء تعلّق الأمر بالأفكار أو الأشخاص أو انتشار الكتب التي لا تبتغي الربح.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- أحن إلى زمن الملاحق الثقافية في بيروت، تلك التي كانت تصدرها "النهار" و"السفير" و"المستقبل"، غير أن الزمن جرفها. مع ابتعادي الجغرافي، مقيماً في هولندا، ابتعدتُ أيضاً عن نشر الشعر في المجلات والجرائد. بقي الشعر محتفظاً، بالنسبة لي، بحميميته في كتب أهديها للأصدقاء أو بطاقات أبعثها عبر القارات.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- ذلك نادر، إلا بوصفه رسالة أيضاً إلى أصدقاء أحبّهم وأعرف أن للشعر رنيناً في نفوسهم. لا أحسب، حتى الآن، أن واسطة النشر، أي وسائل التواصل الاجتماعي، قد غيّرت بشكل مؤثر شكل الشعر في المنطقة. الشعر اليومي، تصيّد المفارقات، البحث عن الدهشة، كلها كانت موجودة سلفاً منذ مطلع التسعينيات وربما قبل ذلك، أي منذ فارق الشعر العربي الخطابة والرطانة والبحث عن الأسطرة. لا يملك أحد أن يتنبأ بالمستقبل، غير أن احتمالات مثل هذا التأثير، في رأيي، قد تكون في المستقبل في العودة إلى شعر مسموعٍ أو مدمجٍ بمؤثرات أخرى بدل أن يكون الشعر مطبوعاً او مكتوباً.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- هو قارئه عينه منذ ثلاثين عاماً ربما، أو ربما هو قرّاء كثر وليس قارئاً واحداً. فهو المراهق الباحث عن لغة لمشاعره، والعاشق للغة المفتون بها، والمغامر المنساق أمام الأخيلة، والكاتب المقموع أو الممنوع من كتابته. بل إن الشعر نفسه متعدد اليوم، فلا يزال البعض يجري وراء أعمدة القوافي، وآخرون يناقشون هل الشعر الحر والمنثور شعر أم لا، وهنالك من فتَنتهم الحرية والإيقاعات الداخلية، ومن يعترضون على ذلك. ومن كل هؤلاء القرّاء وأنماط الشعر (فصيحاً وغير فصيح) يتولّد في تقديري مشهد شعري عصي على الاختزال.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- لا أحسب أن أي شاعر مترجم ينافس اليوم محمود درويش أو نزار قباني أو غيرهم في المبيعات، فضلاً عن شعراء أجهلهم ويكتشفهم اصدقائي القاهريون مثلاً في مواسم معارض الكتب عندما يرون جحافل جماهيرهم تنافس جماهير المغنين. على أن كل ذلك ليس حكم قيمة. أرى أن هنالك إقبالاً عاماً على الترجمة، في الرواية كما في غيرها، وذلك إن دلّ فعلى التشوّق إلى الخروج من حالة الركود العامة (رغم بعض الاستثناءات) والطلب على الانضمام إلى العالم وأفكاره.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- إن اتفقنا يوماً على ما هو الشعر العربي (القصيدة العمودية، التفعيلة، الشعر الحر والمنثور، المقطعات، الأمثال، النبطي، المصري، اللبناني... الخ) قد نستطيع أن نجيب على مثل هذا السؤال. أما بالنسبة لي شخصياً، فأرى أن المزية الأساسية هي في اللغة، لا في الشعر، أي في أن العربية ربما أقدم اللغات الحية اليوم، وبالتالي أقدرها على أن تقول لنا أصول الكلمة، وما تنبّه إليه أول من تلفظوا بها، وما تأولوا بها من جوانب الحياة، وما علق بها عبر القرون من آثار المجاز والاستعارات وتداول الألسنة. مثل هذا العمق التاريخي وظلال المعاني الغزيرة، تحمل لمن يهتم بها كنوزاً وفيرة تفردها اللغة بين يديه.
- أعتبر نفسي شاعراً سرّياً، أكتب لنفسي وللأصدقاء. لستُ متأكداً من معايير المقروئية لكنني أسعد كثيراً عندما أفاجأ بوقوع كتبي أو بعضٍ من قصائدي في أيدي أناس من بلاد أخرى. لا شك أن للشعر أيضاً مسالكه السرية ليصل إلى من يحبّه.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ وهل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- نشرتُ في مؤسسات مختلفة، على مدى العقدين الماضيين، ثم عدتُ إلى التعامل مع "دار الجديد"، ناشرة أول دواويني وأحدثها عهداً. مُديرتها رشا الأمير صاحبة ذائقة وعناية بالكتب والشعر واللغة، وهل أجمل من أن يتشاطر الكاتب والناشر عشق اللغة وغوايتها؟ مع الأسف، نشرُ الشعر يظل محدوداً، والعوائق الكثيرة في العالم الناطق بالعربية هي نفسها سواء تعلّق الأمر بالأفكار أو الأشخاص أو انتشار الكتب التي لا تبتغي الربح.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- أحن إلى زمن الملاحق الثقافية في بيروت، تلك التي كانت تصدرها "النهار" و"السفير" و"المستقبل"، غير أن الزمن جرفها. مع ابتعادي الجغرافي، مقيماً في هولندا، ابتعدتُ أيضاً عن نشر الشعر في المجلات والجرائد. بقي الشعر محتفظاً، بالنسبة لي، بحميميته في كتب أهديها للأصدقاء أو بطاقات أبعثها عبر القارات.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- ذلك نادر، إلا بوصفه رسالة أيضاً إلى أصدقاء أحبّهم وأعرف أن للشعر رنيناً في نفوسهم. لا أحسب، حتى الآن، أن واسطة النشر، أي وسائل التواصل الاجتماعي، قد غيّرت بشكل مؤثر شكل الشعر في المنطقة. الشعر اليومي، تصيّد المفارقات، البحث عن الدهشة، كلها كانت موجودة سلفاً منذ مطلع التسعينيات وربما قبل ذلك، أي منذ فارق الشعر العربي الخطابة والرطانة والبحث عن الأسطرة. لا يملك أحد أن يتنبأ بالمستقبل، غير أن احتمالات مثل هذا التأثير، في رأيي، قد تكون في المستقبل في العودة إلى شعر مسموعٍ أو مدمجٍ بمؤثرات أخرى بدل أن يكون الشعر مطبوعاً او مكتوباً.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- هو قارئه عينه منذ ثلاثين عاماً ربما، أو ربما هو قرّاء كثر وليس قارئاً واحداً. فهو المراهق الباحث عن لغة لمشاعره، والعاشق للغة المفتون بها، والمغامر المنساق أمام الأخيلة، والكاتب المقموع أو الممنوع من كتابته. بل إن الشعر نفسه متعدد اليوم، فلا يزال البعض يجري وراء أعمدة القوافي، وآخرون يناقشون هل الشعر الحر والمنثور شعر أم لا، وهنالك من فتَنتهم الحرية والإيقاعات الداخلية، ومن يعترضون على ذلك. ومن كل هؤلاء القرّاء وأنماط الشعر (فصيحاً وغير فصيح) يتولّد في تقديري مشهد شعري عصي على الاختزال.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- لا أحسب أن أي شاعر مترجم ينافس اليوم محمود درويش أو نزار قباني أو غيرهم في المبيعات، فضلاً عن شعراء أجهلهم ويكتشفهم اصدقائي القاهريون مثلاً في مواسم معارض الكتب عندما يرون جحافل جماهيرهم تنافس جماهير المغنين. على أن كل ذلك ليس حكم قيمة. أرى أن هنالك إقبالاً عاماً على الترجمة، في الرواية كما في غيرها، وذلك إن دلّ فعلى التشوّق إلى الخروج من حالة الركود العامة (رغم بعض الاستثناءات) والطلب على الانضمام إلى العالم وأفكاره.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- إن اتفقنا يوماً على ما هو الشعر العربي (القصيدة العمودية، التفعيلة، الشعر الحر والمنثور، المقطعات، الأمثال، النبطي، المصري، اللبناني... الخ) قد نستطيع أن نجيب على مثل هذا السؤال. أما بالنسبة لي شخصياً، فأرى أن المزية الأساسية هي في اللغة، لا في الشعر، أي في أن العربية ربما أقدم اللغات الحية اليوم، وبالتالي أقدرها على أن تقول لنا أصول الكلمة، وما تنبّه إليه أول من تلفظوا بها، وما تأولوا بها من جوانب الحياة، وما علق بها عبر القرون من آثار المجاز والاستعارات وتداول الألسنة. مثل هذا العمق التاريخي وظلال المعاني الغزيرة، تحمل لمن يهتم بها كنوزاً وفيرة تفردها اللغة بين يديه.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- أبو العلاء المعري، كما قرأه عبد الله العلايلي.
■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
- أن يظل سريّاً، غير رائج، على أن يصبح العثور عليه أيسر لمن يطلبه.
بطاقة
شاعر وحقوقي وناقد موسيقي لبناني من مواليد عام 1976 في طرابلس. من إصداراته الشعرية: "غريب وبيده كاميرا" ("دار الجديد"، 1999)، و"يد الألفة" ("دار الانتشار العربي"، 2002)، و"يؤلفنا الافتتان" ("دار ملامح" و"اكس أو"، 2009)، و"توقيعات" ("جمعية أشكال ألوان"، 2010)، و"أشاطرك الألم برهة والود طويلاً" ("دار الجديد"، 2015). كما يكتب المقالة وله مشاركات في معارض للفن المعاصر.