وقفة مع خليل قويعة

11 مايو 2019
(خليل قويعة)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي، في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- في الفترة الأخيرة شاركت في ندوات متعدّدة، منها ندوة "الفن في أطر لامركزية" في مدينة سوسة التونسية، وتناولت موضوع التظاهرات الفنية في المدن الداخلية، فالفن في ربوعنا العربية ما يزال مرتهناً بالعواصم على حساب الجهات التي تفتقر إلى البنية الأساسية الملائمة، وهذا ما يعطّل وجود جمهور متلقّ فاعل في المشهد.

كما شاركت، في مسقط، في ندوة حول دور المتلقّي في صناعة المعنى وإنشائية العمل الفنّي بعد خروجه من الورشة. وهي مواضيع لا تتعلق بمناسبات، لأنني على مزيد من مراكمة البحث فيها في قادم الأيام، نظراً لمنزلة الصورة في حياتنا اليومية وحاجتها إلى المعنى، حتى تكون قادرة على خدمة رهانات الحياة من خلال التأويل والتعبير والتأسيس.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر ما أصدرت كان كتاب "العمل الفنّي وتحوّلاته بين النظر والنظرية، محاولة في إنشائية النظر" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ويتناول المكانة التي يجب علينا أو نوليها للمُشاهد/ الناظر/ الجمهور/ القارئ والناقد... بوصفهم أطرافاً فاعلة في مواصلة مسار الإبداع، فكثيراً ما وقع حصر الفعل الثقافي (خصوصاً في الثقافة العربية) في دائرة المنتج والفنّان دون إيلاء أهمية للآخر الإبداعي المنسي، والذي أعتبره طرفاً في دينامية إبداع القيم الجمالية والفنية. أمّا عملي القادم فأنا بصدد إعداد اللمسات الأخيرة في كتاب حول نشأة فنّ اللوحة الزيتية في تونس، كما أشتغل على كتاب آخر (باللغة الفرنسية) حول منزلة الطبيعة في الفن المعاصر.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- نسبياً أنا راض، بالنظر إلى صعوبات النشر والترويج وغياب دينامية منشودة تربط بين الفكر (فنّاً أو نقداً أو تأريخاً أو تنظيراً) وبين الجمهور المتلقّي، وتخلق الجدل الثقافي الذي يصنع القيمة. وفضلاً عن غياب المؤسّسات الراعية للإنتاج الثقافي، فإنّ نسبة من جمهور الشباب افتكّتها الفضائيات وإعلام الإثارة والتهريج، وهذا خطر على المستقبل يستدعي المقاومة.


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- سأختار المسار الذي أخوضه. وسأظلّ ألهث وراء معنى الفنّ في علاقته بحيوية الحياة وطبيعية الطبيعة ومدينية المدينة وإنسانية الإنسان. وما قدّمته من أعمال فنيّة وكتابات وأبحاث ودروس ومحاضرات لم يشف غليلي من المعرفة وقيم الفن والحكمة ومواكبة نبض العالم وشعرية الوجود الخلاّق. وفي ذلك نوع من المقاومة التي لا جدوى للحياة من دونها.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- لا أنتظر شيئاً في ظلّ نظام عولمي قسّم المجتمعات وفق مصالح جيوسياسية خارجة عن انتظاراتنا، وفي ظل الكوارث السياسية والارتكاسات التاريخية التي نتخبّط فيها. ولكنّني أريد أن تعمّ قيم المعرفة والاعتراف، وأن يسود السلام، وأن يحتكم العالم إلى منطق الحياة على الأرض دون إقصاء.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- ابن خلدون، لمساءلته في شروط إمكان انخراط العرب في التاريخ الحضاري الراهن وقيم المدنية على أساس المعرفة والإبداعية وتقديس العمل واحترام الحريات، بعيداً عن الكسل الجسدي والتكلّس الذهني وتبذير الوقت في المُمَاحكات السياسية والجدل العقيم وتهميش المبدعين والمفكّرين وتفويت فرص المستقبل والوعي بالفكر التاريخي ورهاناته.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- يخطر على بالي صديقي محمود. عرفته في الجامعة، وأعتبره من كبار المتخصّصين في الفلسفة الألمانية المعاصرة من جيلي ولكنّه لم يأخذ نفس الطريق، إذ لم يراهن على المؤسّسات والجمهور القارئ، فتراه دائماً يعود إلى أرض أجداده يفلحها ويخرج منها التين والزيتون. ويبدو أن ظنّه قد خاب في وجود الدولة والناس ولم يخب في الأرض.

أمّا الكتاب، فأعود دائماً إلى "نقد مَلكة الحُكم" للفيلسوف الألماني كانط الذي أسّس تفكيره في الفن على أساس الإحساس بالجمال والرغبة في مقاسمته مع الآخر. ولم يمنح القبح ما يستحقّه من عناية، إذ الفنّ المعاصر اليوم قد غادر قيمة الجمال ليستثمر في رؤيته للقبيح الذي أصبح واقعاً مكشوفاً، وذلك لغاية الفضح والسخرية والتحسيس والاستفزاز...


■ ماذا تقرأ الآن؟
- أقرأ من جديد "أبواب المدينة" للكاتب اللبناني إلياس خوري، وكنت قد قرأته منذ عشرين سنة. قصّة بأسلوب طريف يبعث على التفكّر في دلالة الحياة والموت، بطلها "الرجل الغريب" وهو يمشي بين ربوع المدينة، يباحث الحقيقة وكنه الأشياء ويستفزّ أسئلة الوجود وكأنّه سقراط.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- "ردّني إلى بلادي"، فيروز. بقدر إثارتها للشعور بالحنين إلى الماضي وديار البلد، بقدر استنهاضها للهمم والتحفيز على المقاومة... كما في عديد أغانيها الرحبانية.


بطاقة
باحث وفنان تشكيلي تونسي من مواليد 1966. أستاذ الجماليات وعلوم الفن في جامعة صفاقس وباحث بجامعة تولوز بفرنسا. عضو مؤسّس في "الرابطة التونسية للفنون التشكيلية"، ورئيس تحرير مجلّة "فنون" التي تصدر في تونس. يعرض لوحاته منذ 1983. من مؤلفاته: "تشكيل الرؤية" (2007)، و"بنية الذائقة وسُلطة النموذج" (2013)، و"صفاقس، قصّة 12 قرناً" (2017)، و"العمل الفنّي وتحوّلاته بين النظر والنظرية" (2019).

المساهمون