تتعدّد الروايات التاريخية حول دخول فن العرائس إلى مصر، قياساً إلى ظهوره المبكّر في حضارات الشرق الأقصى القديمة، حيث يعيده دارسون إلى بدايات خيال الظلّ ومنها التمثيلات الثلاث التي وضعها الطبيب المصري ابن دانيال في القرن الثالث عشر، وارتباطه كذلك بالحكواتي الذي كان يمسرح السير الشعبية وهو يطوف بها الأرياف المصرية.
غير أن الحديث عن ظهور مسرح العرائس على المستوى الرسمي أتى مع دعوة الناقد المصري علي الراعي (1920 - 1999) إلى إنشاء مسرح قومي للعرائس عقب توليه رئاسة "هيئة المسرح" عام 1959، واستعان حينها بـ ناجي شاكر (1932)، أحد روّاد هذا المسرح.
شكّل "المسرح القومي للعرائس" انعطافة مع إنشاء أرشيف جديد لم يقتصر على الحكايات الشعبية المروية، فأضاف مبدعون عديدون رواياتهم، أمثال صلاح جاهين بمصاحبة ألحان سيد مكاوي، لتؤسّس "الليلة الكبيرة" وغيرها، ليكوّنوا أرشيفاً شعبياً موازياً في الذاكرة الجمعية.
استطاع شاكر أن يبتكر أبطالاً أصبحوا أيقونات مسرح العرائس مثل "ريحانة"، وكذلك فكرة الأوبريت متنوّع الشخصيات ما أضاف تعدّد الأصوات والحكايات؛ حكايات شعبية لكن بروح معاصرة ترصد حياة الموالد والأحياء القديمة القاهرية وصراعاتها، وكأن وصلاً لم ينقطع مع حكايات "الزير سالم "و"السيرة الهلالية".
في الوقت الذي كانت تذاع فيه "الليلة الكبيرة" وغيرها على الإذاعة المصرية والتلفزيون الرسمي في أجواء احتفائية تبرهن على نجاح وشعبية لا يمكن إنكارها، كان أستاذ شاكر الروحي الفنان التشيكي جيري ترنكا (1912- 1969) قد تجاوز مسألة عرض العرائس على المسارح فقط، وبدأ يتطلع أن تصبح أبطالاً لأفلام سينمائية قبل ظهور فكرة الرسوم المتحركة والأنيميشن، ربما لأنه لاحظ التنافس بين المسرح والسينما والكفّة التى بدأت ترجح لصالح الفن السابع.
اعتمد ترنكا على قصص شعبية تشيكية تحتشد بالأساطير والبطولات، وعلى تصميم عرائسه من الخشب المحلي الذي ينحته بنفسه، وغدت عرائسه أبطالاً سينمائيين ذائعي الصيت مثل ruka عروسة فيلم "اليد".
استطاع ترنكا إقناع منتجي السينما بالتخلّي عن بطل من لحم ودم مقابل بطل من خشب، في المقابل كان شاكر يخوض حينها معركة لإقناع سعاد حسني في فيلم "شفيقة ومتولي" أن ترتدي الزي الذي صمّمه لتظهر كعروسة مولد شعبية، والتي بدورها سخرت من الزي ورفضته تماماً لأنه فضفاض وغريب الشكل.
بعد أن فقد مسرح العرائس الرسمي والعروض الخاصة الحضور الجماهيري، يبرز التساؤل لماذا لم يسع رواده إلى إدخال عرائسهم إلى السينما المصرية مثلما فعل ترنكا؟ أم أن جيل صلاح جاهين وناجي شاكر الذي بثّ الحياة في هذا النوع من المسرح رحل مكتفياً بالبهجة والفرح.
رغم ذلك يبدو أن العرائس لم يختف تأثيرها السحري تماماً، ولم تفقد سبل توظيفها، حتى لو استخدمت لإيصال رسائل سياسية محدّدة، مثلما وظّفت "أبلة فاهيتا" مؤخراً في الإعلام المصري.