يتيح "متحف الفنون الجميلة" في الإسكندرية معرضاً افتراضياً في صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك" للفنان المصري السكندري الراحل محمود سعيد (1897-1964)، ليعطي الجمهور مساحة لحضور المعارض الفنية أثناء فترة الإغلاق العام للمتاحف والمراكز الثقافية بعد انتشار فيروس كورونا المستجدّ.
يعتبر سعيد من أوائل مؤسّسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية، درس الحقوق في فرنسا عام 1919، ومع وصوله إلى مدينة الأنوار وجد فرصة في التعرّف على الفنون الأوروبية الحديثة وزيارة المتاحف والالتقاء بالفنانين بينما هو يتابع دراساته العليا في القانون، وسرعان ما التحق بالقسم الحر بـ "أكاديمية غراند شومبير" ثم "أكاديمية جوليان" وزار متاحف إيطاليا وبريطانيا خلال فترة وجوده في فرنسا.
ورغم اتساع معارفه واطلاعه على الفنون الأوروبية، ظلّ أثر الثقافة العربية واضحاً في رسومات سعيد، وبالأخصّ الثقافة الشعبية لبلاده وذلك الموروث البصري الفرعوني المتجذّر فيه، الذي ترجمه فرادة تشكيلية بين عدّة عوالم تقدمها عين الفنان المثقفة، لا سيما في أعماله المتتالية التي أنتجها منذ منتصف العشرينيات وحتى أواخر الثلاثينيات.
انتقل سعيد في مرحلة لاحقة إلى فن البورتريه، وكان يسعى دائماً إلى فتح عين المتلقي على ذلك العمق النفسي للشخصية التي يرسمها، إلى أن انصرف تقريباً في منتصف الخمسينيات عن رسم البورتريه وعاد إلى الطبيعة الأم يرسم المناظر الطبيعية ويحتفي بالضوء والمحيط الطلق من حوله، بل وحتى إنه رسم بعض أعمال العريّ التي حاكى فيها أعمال الفنانين الأوروبيين الانطباعيين.
أقام سعيد في مرحلة مبكرة من حياته معارض فردية في باريس والبندقية ونيويورك وموسكو، وبالطبع الكثير من المعارض في القاهرة والخرطوم، وأتاحت له مكانته الاجتماعية وقربه من العائلة المالكة في مصر، فقد كان خال الملكة فريدة، وعمله قاضياً في المحاكم المختلطة الاطلاع على وجوه من طبقات مختلفة، تلك التي تعيش في رغد الطبقة المخملية والوجوه القادمة من قاع المجتمع التي يراها في المحكمة.
وقد ظهر هذا التنوّع في عمله الفني في البورتريهات وفي تصوير الشقاء الإنساني والفقر والعمل والكدّ في الريف المصري، كما اعتنى بالمرأة المصرية فصوّرها فلاحة بملابسها، وعارية بجسد مكتنز وبملامح قوية أقرب إلى الأفريقية، كما نجد له أعمال لنساء في غاية الرهافة والأناقة التي تقترب من الأجواء الأوروبية.