تتعطّل سيارة محام شهير، مكلّف بملف تحقيق حول جرائم التعذيب زمن الديكتاتورية المنقضية حديثاً، فيوصله للبيت أحد جيرانه. ولدى دعوة المحامي لجاره للبيت، تتعرّف الزوجة على صوته؛ لقد كان أحد جلّاديها زمن الديكاتورية..
قد تكون الحكاية معروفة باعتبار أن هذه الحبكة قد صيغت في فيلم سينمائي لـ رومان بولانسكي صدر سنة 1994، بعنوان "الفتاة والموت"، إضافةً إلى شهرة النص الأصلي الذي وضعه الكاتب التشيلي أرييل دورفمان، غير أن إعادة تركيبها بعناصر تونسية يخلق تلوينات عدّة، وهو ما فعلته مسرحية "بين حياة وموت" لهالة عياد التي تؤدّي الدور الرئيسي فيها، إضافة إلى الإخراج واقتباس النص. العمل الذي انطلقت عروضه في 2017، يُقدَّم مجّدداً مساء بعد غد في مسرح "تياترو" بتونس العاصمة.
تبدو تونس ما بعد الثورة مهيّأة بشكل مثالي لاستعارة حبكة "الفتاة والموت"، فملف الانتهاكات بقي مفتوحاً وقد تلاعبت به مصالح السياسيّين، وبقي الجلّادون بلا محاسبة. ولعلّ خشبة المسرح تقوم بهذا الدور، ولو في إطار تخييلي، حين تضع الضحية والجلّاد في مقام المحاسبة، مثيرة أسئلة عميقة كان لا بدّ أن تصعد إلى الجدل العام في تونس حول العدالة والكرامة والهوية الجماعية.
تقول مخرجة العمل، في حديث إلى "العربي الجديد": "رغم أن النص الأصلي يتحدّث عن تشيلي في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنني وجدت أنه ينطبق على تونس، وأبعد من ذلك أجده صالحاً لكل زمان ومكان".
توقّفت المسرحية بعد سلسلة عروض في 2017، ثم حضور في "مهرجان الحمامات الدولي" صيف 2018، لذلك تثير هذه العودة بعض التساؤلات. توضّح عياد أن "السبب الرئيسي يتعلّق بانشغالات فريق العمل، حيث أننا انهمكنا في الفترة الأخيرة بأعمال في السينما والتلفزيون".
يُشار هنا أن الممثّلين الثلاثة الذي يظهرون على الخشبة، وهم عبد الحميد بوشناق ومحمد الزرامي وهالة عياد، يُعرض لهم هذه الأيام مسلسل "النوبة" (إخراج بوشناق)، كما شاركت عيّاد في فيلم "دشرة" للمخرج نفسه.
ألا تؤثّر هذه المشاركات، خصوصاً ما تحقّقه من جماهيرية لممثّلين مسرحيين، على تلقّي العمل؟ تجيب عيّاد بالقول: "أعتقد أن حضور الممثّلين في أعمال أخرى في السينما والتلفزيون قد يأتي بجمهور إلى المسرح، جمهور لم نتعوّده. بالنسبة إليَّ كمخرجة، ربما أشعر بقليل من الضغط والارتباك بسبب وقوع المسرحية أكثر تحت الأضواء. لكن كثيراً ما كان هذا الضغط عامل تحفيز في الفن".
هل تفرض هذه العوامل تغييرات بين العرض الجديد والعروض السابقة؟ تجيب عيّاد قائلة: "لم نغيّر الكثير في هذا العرض، هناك تحسينات في النص، بحيث طورّنا بعض المقاطع بحثاً عن استرسال أكبر ضمن سعينا لأن يكون الأداء طبيعياً إلى أبعد حد، وفي السينوغرافيا أيضاً هناك لمسات صغيرة". تضيف: "كل مسرحية عليها أن تتطوّر من عرض إلى آخر. كمخرجة أشعر بالملل من تكرار نفس العرض... بشكل عام حافظت المسرحية على ملامحها".