- يرفض تقسيم الأدب إلى أجيال، مشيراً إلى أن الإبداع يتجاوز التصنيفات الزمنية، وأن القطيعة تكمن بين رؤيتين مختلفتين للإبداع.
- يؤكد على أهمية الاطلاع على ثقافات أخرى، ويعمل على كتابة رواية رقمية عن الغربة التكنولوجية، ويستعد لإصدار روايته "الرقيب".
تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "لم تعُد مسألة الأجيال ذات أهميّة محورية في الكتابة"، يقول الكاتب المغربي إدريس لفريك.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- في الحقيقة، الأمر أكثر من مجرّد هاجس، بل كوابيس كلّ هذا الذي يحصل. دائرة العدوان تتّسع كلّ يوم أكثر. أشعر بالحزن العميق ودائمًا أطرح على نفسي هذا السؤال: متى ستنتهي هذه الحرب القاسية التي تحرق كل شيء في طريقها؟ كلّ شيءٍ ينهار دفعة واحدة، العدوان على غزّة ولبنان أمرٌ يوجع القلب ويُدخل العقل في حيرة لامتناهية، ربما صار من الصعب علينا مشاهدة هذه المدن التي تحوّلت إلى قفر.
■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟
- تسعى الكتابة "الجديدة" إلى تجريد الكاتب من أصله، كمواطن مركزي (أصلي). وهكذا، تعتبره أجنبيًّا في نصّه، بل ودخيلًا عليه، وهو غير متصرّف به إلّا بجانب مُتصرّفِين كُثر، منهم: القارئ، الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي أسهمت بكتابة النصّ، فالكاتبُ إذًا في جماعة أشخاص، وإمكانات، وظروف، وسواها. واستدعاء الخارج، يوسّع الداخل، بل ويبقي الكاتب أجنبيًّا في نصّه ولغته. تتقلّص العمليّة الإبداعيّة، وتجنح نحو الروتين بوجود كاتب يرفض "أجنبيّته". كان الكاتب في التقليد الأدبي السلفيّ يقول يا "أناي"، لكن الكتابة "الجديدة" تعرض عليه القول: يا نحن! ليس بعيدًا عن مفهوم الصوفيّة حول الحب والآخر، فلا يوجد (الأنا) إلّا بصفة الغيريّة (الخارج). أيهما أشمل وأنفع للإبداع، كاتب يكتب بأناه فقط ككينونة واحدة، أم كاتب يكتب بغيريته بمعنى الآخر؟
■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- الأجيال وتسمياتها، كلّها تحاول وصف مجموعة من الكتّاب ظهروا في فترة معينة وتعرضوا لظروف إنسانيّة ومجتمعيّة متشابهة، أدت لوجود سمات مشتركة بينهم على صعيد منتجهم الكتابي. وأتوقع أنه ليس هناك في الحقيقة ما يمكن أن نُطلق عليه جيل الستينيات، أو جيل السبعينيات، أو غيرها من هذه التسميات التي لا معنى لها، وليس من الطبيعي أو المنطقي القول إنّ هذا جيل الهزيمة، بينما غيرهم جيل الانتصار، وذاك جيل الثورة. مثل هذا التقسيم الفج لا وجود له؛ فالإبداع هو مسيرة بدأت وتظل تسير من دون هذا التصنيف، ولكن من الممكن بالفعل أن نستخدم مثل هذا التقسيم الزمني أو الحقبي في مقام الدراسات النقديّة، أو التأريخ للأدب فقط؛ لأنّ الباحث هنا يحاول أن يُسهّل الأمر على نفسه، أو حصر الفترة الزمنية التي يتحدث عنها بحثه، وبالتالي فهو يُحدد الفترة التي يعمل عليها.
لم تعُد مسألة الأجيال ذات أهميّة محورية في الكتابة
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- لم تعد مسألة الأجيال ذات أهميّةٍ محوريّةٍ في الكتابة الأدبيّة العربية، ولا في التلقي والقراءة. منذ زمنٍ تبلورت المفاهيم، وتغيرت الانتماءات، تحولت الأجيال إلى تجمعاتٍ نوعيّة غير معلنة تلتئم حول قضيةٍ، أو ظاهرة ما، فتختلف القناعات والتوصلات، ويتجاوز الكاتب رؤى جيله العمري، لأن الاصطفاف مع أو ضد، رفضًا أو قبولًا، لم يعد ينبني على أساس الجيل العمري، بل الجيل الابداعي. الأدب الشاب، أو أدب الشباب، لم تعد له الحمولة المعرفيّة التي اعتدناها في عقود سابقة، كنظير أو ندٍّ لكتابات الروّاد. كثير من شباب الأدب اليوم يقفون مع التقليدي في الكتابة، وكثير منهم لا يصنف نفسه على أساس عمره، أو جيله. الشكوى تأتي غالبًا من الاهتمام النقدي بالرواد وتابعيهم، من دون الاهتمام بالتجارب الجديدة والمنتمية إلى الحداثة في طورها الأخير. وهي شكوى لها مبرراتها، ولكن ذلك لا يخص الشباب، أو يقصدهم بخاصة. إنها تأكيد على وجود النص المغاير، والكتابة الجديدة، التي تتطلب تلقّيًا يرقى إلى مستجداتها الجمالية. من هنا أجد القطيعة بين رؤيتين، لا بين جيلين، أو رواد وشباب.
■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
- أحاول أن أكون فعّالًا في محيطي الثقافي.
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
- صدرت روايتي "هوس الرحيل" وهي الأولى سنة 2016، وكنت قد كتبتها سنة 2013. هذه الرواية لها مكانة خاصة جدًا بداخلي؛ لأنّي كتبتها بعد أن فقدتُ أخي، الشعور بالفقد حرك فيّ الرغبة، رغبة الكتابة. شعرتُ أنّه من الضروري أن أكتب حزني، أن أستعين على الألم بالكتابة. الكتابة منحتني القدرة على مواصلة الحياة التي كُلّما أغلقت أبوابها في وجهي جاء خيال الكتابة ودهشتها. يمكنني القول إنّي جئتُ إلى الكتابة مصادفة، وبخصوص السؤال فقد صدرت روايتي الأولى بالقاهرة.
■ أين تنشر؟
- نشرت في مصر وسورية والمغرب والكويت والجزائر، وكتابي الأخير سيصدر في الشارقة.
العدوان على غزّة ولبنان يُدخل العقل في حيرة لامتناهية
■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- في الحقيقة علاقتي بالقراءة منهجية.
■ هل تقرأ بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟
- لا شيء يُغني النصّ الأدبي أكثر من اطّلاع كاتبه على آداب وثقافات أُخرى، وهذا يدفعني أحياناً إلى القراءة بلغات أُخرى.
■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟
- لي رأي ربما يكون بالغ الخصوصية في هذا الأمر. بدايةً، المُستهلك هو الذي يحدّد ما يحتاج إليه. وبالتالي أرى ترجمة الأعمال العربيّة إلى اللغات الأُخرى مهمّة المترجم والمؤسسات الأجنبية. والحقيقة أنّ هناك أعمالًا عربيّة تُنقل إلى اللغات الأخرى لكن طبقًا لاحتياجات الثقافة الأجنبية ولاحتياجات هذه المؤسّسات، وهي بالتالي تختار ما يناسبها أو ما يفيدها. لا تنحصر المشكلة في المترجم أو في دور النشر العربيّة، هناك مؤسّسات عربيّة ترجمت بعض الأعمال لا أظنّ أن أحدًا في الغرب التفت إليها، لأنّ المؤسسة العربية في هذه الحالة هي التي اختارت، واختارت غالبًا طبقًا لأهواء معيّنة وليس طبقًا لاحتياجات المستهلك. المترجم العربي يختار ما يناسب ثقافتنا وما نعتقد أنه يفيدها، وعلى المترجم الأجنبي أن يختار من ثقافتنا الأعمال التي تناسب مجتمعه أو تفيده. وفي اعتقادي لسنا من يحدّد ما يستحقّ نقله إلى الخارج وما لا يستحق. وأظن أن الأمر يتعلق بوضعنا في الثقافة العالميّة. ربما حين يتحسن وضعنا يلتفت الآخر إليه أكثر ويهتم بنا وبثقافتنا. بالنسبة لترجمة أعمالي: نعم لي رغبة كبيرة في ترجمتها.
■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟
- أنا بصدد كتابة رواية عن الغربة التي فرضتها علينا التكنولوجيا، وستكون هذه الرواية رقميّة. أمّا إصداري القادم فهي رواية بعنوان "الرقيب".
بطاقة
كاتب مغربي من مواليد 1990 بمدينة سيدي سليمان، حاصل على إجازة في علم النفس المعرفي من "جامعة ابن طفيل" في القنيطرة سنة 2023، وحاصل على دبلوم تطبيقي في مجال هندسة التكييف والطاقة سنة 2016، ويتابع دراسته بسلك الماستر، تخصّص جماليات بكلّية علوم التربية في "جامعة محمد الخامس" بالرباط. صدرت له خمس روايات، هي: "هوس الرحيل" (2016)، و"أحمر" (2019)، و"المشتهي" (2021)، و"مصائر" (2022)، و"شبابيك المدن البعيدة (2023).