مرثيّة إلى مارسيلو رِيِّس

27 مايو 2016
(محسن عمادي، تصوير: إيستر رويغ)
+ الخط -

كيف للكتابة ألا تتصنّع
كممثّلٍ يتماهى مع دوره،
كجسدٍ يتماهى مع موته؟
كيف لنا الرجوعُ إلى مخزن الخمور
في قبو بيتكَ،
بين زجاجات النبيذ والآلات الموسيقية المحطّمة
بأكتافٍ متلاصقة، رِفقةَ أشباحٍ آخرين،
والجلوسُ على الأريكة
وتعليقُ الشاشة البيضاء
لأحلامك؟
كيف يمكن الإنصاتُ إلى موسيقى رفضك،
رفضك لبوينُس آيرس،
وأنت، إذ تتنفّسُ،
ترقصُ التانغو مع الموت؟
على خيط الريح ذاك
آنَ تُكلّمُ غيابَ أمّك
على الطرف الآخر من المحيط،
كيف لخوفِك، وكتفي تلاصقُ كتفك،
أن يُشفيَ خوفي؟

***

لكنّ الدموع ستجفّ بلا ريب،
زهورُ قبرك ستذبل؛
مهجوراً سيُمسي مخزنُ خمورك
وخاويةً شاشتُك.
كلابُ البيت
ستتعرّف إلى رائحتك دوماً،
لكنها ما عادت تنتظرك الآن
خلف الباب.
تُمطر الآن على هذا الجانب من المحيط
وبوينُس آيرس لا تذكُرك،
أمّا أنا فعاجزٌ
عن الخروج من ذكرى ذراعيك.
لا يزال المطر يُبلّلني
لكنه، بعد الآن، لن يبلّلك.
ستبقى متوهّجاً
وحرارتُك
هي كثافةُ المنفى كلّها
- التلعثُم المضاعف للوجود -
المنفى الذي تعيشه بلا جسدٍ وبلا لغة.
وإنْ بلا جسدٍ وبلا لغةٍ،
عانِقْني.

***

قلبك المنفيّ
ينبضُ في جسدي.
رفضُك هو رفضي.
لا أحد يموت مرّتين،
وفي جميع الصُّور
ضميرٌ واحد ينظر إلى كلينا
-كتفانا تتلاصقان،
ثملَين ضاحكَين -
ضميرٌ واحد يتذكّر
دفء أُمَّينا،
ضميرٌ يغنّي تهويدةً،
ونحن، ضائِعين في الموسيقى،
نتبادلُ قلبَينا.
أنت لغتي، مارسيلو،
في الليالي الطويلة للكحول والذكريات
حين كانت الكلمات تتوقّف عن الدوران في فمي.
بمرارة "المتَّة" كنتَ تُترجم
سونيتاتِ المسافات، وحتى النظرةَ والابتسامة.
لم يعُدْ قلبي ينبض في جسدك
لكن قلبك يجعلني أُحلّق
في أعالي الهاوية.

***

الصخرةُ التي هشّمتْ عظامَك
كانت طفولتَك.
كنت تعلو أكثر في كلّ مرّة
لتهوي بقسوةٍ أشدّ.
في شوارع سان خوان
لا تزال الريح، على عادتها، تهبُّ.
في حقول "بورخا"
ما من نبيذٍ يُبدُّل مذاقه.
الزمن، داخلَ كلٍّ منا،
يضيفُ شيئاً على كثافة الغياب
فينعدمُ وزنُ الأرض.
عبر مسافة اللغة
أنظرُ إلى مخزن خمورك.
الكلاب تجيء وتروح،
رائحتك تعبق في الفراغ كلّه،
في أنفِ الشِّعْر
الذي يهزّ ذيله، ينبح،
يقف على ساقين
ولا يعثر عليك.

***

تناولْ قيثارتك واعزفْ بإظفرِ الخمرة،
الخمرة التي في كأس الخسران،
الخسران الذي في خطوات الطفولة
والخطوات التي في قِدم اللغة.
تناولْ قيثارتك،
فقلبك، مع كلّ لحنٍ،
يضخُّ دماً في أعضائي.
أمتطي الريح
كي أهوي بقوّة أكبر
بين ذراعيك.


* شاعر إيراني من مواليد (1976).

** ترجمة عن الفارسية محسن عمادي وآرتورو لويرا، ومن الإسبانية إلى العربية كاميران حاج محمود
*** مارسيلو رِيِّس (1960-2015) كاتب أرجنتيني

المساهمون