"امرأة بلا جسد": أشخاص نلتقيهم بعد الحرب

24 مارس 2016
(ماتيه ماتشيتش)
+ الخط -

عامان وقت طويل.

يبدو الأمر كذلك. لكن، عندما تتّخذ الأشياء قيمتها ممّا تُحدثه من متعة، سيبدو الأمر قابلاً للتفسير، لفهم العبرة في إطالة عمرها.

كانت متعة الترجمة تأتي، قبل أي شئ آخر، من متعة القراءة. في الوقت الذي كنّا، أنا وجوليا، نصبح صديقتين، لم نكن نريد إحراز أكثر من ذلك في البداية، متعة اكتشاف ما الذي يمكن أن ينشغل به الأصدقاء، وما الذي من الممكن أن يتحدّثوا عنه.

كنّا مثل الأعمى والأعرج اللذين لا يمكن لأحدهما التخلّي عن الآخر: الأعمى الذي يحمل الأعرج، والأعرج الذي يشير بصوته إلى الطريق؛ ولم نكن لنفعل ذلك لولا أن خيوط اللغة التفّت حول ذاتها، وعروق نبتة اللبلاب على جذع شجرة الكينا الضخم. وعلى الرغم من أن لغة النص الأصلية هي اللغة الكرواتية، إلا أن المسرحية توفّرت في كتاب باللغة اللتوانية. كانت جوليا ترجمت هذه المسرحية مع مسرحيتين أخريين، ونشرت المسرحيات الثلاث باللتوانية في كتاب واحد بعنوان "ثلاثية بعد الموت".

تتقاطع المسرحيات الثلاث حول العلاقة القريبة بين الحياة والموت. وقد حصلت الترجمة، في 2014، على جائزة "أول أفضل ترجمة" من "منظّمة مترجمي الأدب في لتوانيا".

لا أتكلّم الكرواتية، ولا الليتوانية. لكن من خلال هذه الترجمة، والحياة تنتقل عبر اللغة الإنجليزية، شعرت بالقرب من هذه الشخصيات: مارتن، إيما، ماريا، ملادين، بشتا، كما لو أني كنت أسمعهم يتكلّمون.

ذلك لم يكن بفضل الترجمة التي كانت تتحوّل إلى ضرب من التمثيل أحياناً: حركات سريعة لردود أفعال لا تكفي اللغة لنقلها، بل لأن هذه الشخصيات إنسانيةٌ تستطيع أن تلتقيها في أي مكان في العالم، بعد أي حرب، وهذا يُحتسب للكاتب الذي خلق هذا النوع من الشخصيات العابرة للّغات.

كانت جوليا قد كتبت للمسرحي ماتيه ماتشيتش: "هل نستطيع ترجمة مسرحيتك إلى العربية أنا وصديقتي الفلسطينية؟". فجاء جوابه: "اعملن ما تُردنه بها". ماتشيتش الذي يعتقد بأن ما يكتبه لا يعود مِلكه. إنه طفل يتركه ليمضي في الحياة ويمشي في طريقه، وهذه نتيجة لرؤيته، متعة طويلة العمر.

عبر هذه الطريقة غير المعتادة في الترجمة، يجد القارئ شيئاً يحبّه. ولعّل من المهم أن هذه المسرحية وصلت القرّاء العرب، لأن كرواتيا مرّت بآلام كثيرة وتاريخ طويل مؤلم، تعامل معه ماتشيتش عبر هذه الفكاهة السوداء.


* كاتبة من فلسطين
المساهمون