امرأة بلا جسد (6-7)

17 مارس 2016
(من المسرحية)
+ الخط -

ملادين: أكثر من ذلك، نستطيع أن نفعلهاً دون أن نخبرك. حتى أنت، لن تشكّ فينا... ستعتقد أن مجرماً ماً قتلها، وهكذا نكون قد حللنا مشكلتنا، لأنك لن تجد سبباً لفتح القبر.

مارتن: إذن لماذا تخبرني بذلك؟

ملادين: لأني أعتقد أنه لكوننا أصدقاء حرب قدامى، سنعطيك تلك الفرصة كي تقرّر بنفسك.

مارتن: أقرّر ماذا؟

ملادين: كل شيء... إذا كان أحد ما سيقتلها أم لا.

مارتن: لا أفهم.

استراحة قصيرة.

ملادين: بالطريقة نفسها التي ستحدث مع تلك العاهرة. في أيامنا هذه لا أحد يهتمّ كثيراً لو أن أحد المحاربين القدامى قتل نفسه... خصوصاً إذا كان مريضاً جدّاً.

صمت.
مارتن يحدّق بملادين من دون أن يتفوّه بكلمة.

ملادين (ينظر في الساعة): الشباب قبل نصف ساعة دعوها باعتبارهم زبائن. والآن، هم بانتظاري لإخبارهم، خلال خمس عشرة دقيقة ما عليهم فعله. إذا لم أخبرهم بشيء، لن تجد أي أحد بعد الآن لتخبره عن القبر... إلّا إذا أعطيتهم أوامر أخرى.

صمت.
ملادين يشرب رشفة واحدة.

ملادين: احتراماً لوالدتك، أعدك بأن أهتم بها.

مارتن: من يستطيع أن يضمن لي بأنها لن تموت على أية حال في ساحة ما؟

ملادين: أنا أضمن لك. لا تشكّل أي خطر علينا. أنت من يضعنا في الزاوية فلا تتركُ لنا خيارات أخرى.

مارتن: لماذا لا تقتلوني ببساطة؟

ملادين: إذا خُيّرنا بينكما، سنختارك أنت... أنت صديقنا... لكن أخذاً بعين الاعتبار مرضك، ما زلنا نريد أن نعطيك الخيار لتقرّر.

صمت.

مارتن: أخبرهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

صمت.

ملادين: هذه الرسومات وهذه الخارطة سآخذها... على كل حال، لن تكون بحاجة إليها بعد الآن.

إلى جانب هذا المشهد نسمع صوت اتصال.

ملادين (ينظر إلى الرقم ليعرف من المتّصل): المعذرة... زوجتي (يتكّلم في الهاتف): مرحباً... نعم أنا هنا مع مارتن... أعرف أن لدينا اتفاقاً لكن، نعم آتي... سأسرع... حسناً (ينهي الاتصال) فيسنا تسلّم عليك.

في تلك اللحظة بشكل غير متوقّع، تدخل ماريا.

ماريا: أوه ملادين... كيف جئت إلى هنا؟

ملادين: جئت لوقت قصير لرؤية صديقي القديم.

ماريا: أوه اكتسبت بعض الوزن منذ تقاعدت... كيف حال زوجتك وأطفالك؟

ملادين: شكراً لسؤالك. هم بخير.

ماريا: هل تريد بعض القهوة أو؟

ملادين: لا شكراً... شربت بيرة.

ماريا: لن أزعجكما... أرجوك أكملاً حديثكما. أرسل تمنياتي لزوجتك.

ملادين: سأفعل... أشكرك.

ماريا تذهب إلى الغرفة.
صمت.

ملادين (يتأكّد من مغادرة ماريا): إذا لم يكن لديك قبر، سنعطيك مؤقّتاً قبر أحد الجنود.

مارتن: لست بحاجة شكراً.

ملادين (ينظر في ساعته): عليّ أن أذهب. من الجميل أن نتّفق مثل الناس العاديين... (يضع علبة البيرة الفارغة على الطاولة) سأنتظر في مطلع الدرج حتى أسمع إطلاق النار، ومن ثمّ سأعود إلى الشقة، حتى لا تبقى أمّك لوحدها.

مارتن: هل أستطيع أن أفعلها في مكان آخر؟ أي مكان، لكن ليس هنا. لأجل أمّي... أستطيع أن أذهب إلى حافة نهر صافا1 أو إلى مكسيمير2

صمت.

ملادين: أوه تبّاً... يجب أن أسأل الآخرين.

مارتن: أخبرهم أني أطلب ذلك.

ملادين (يضغط على لوحة مفاتيح هاتفه): هالوا... إنه أنا. لا، كل شيء على ما يُرام. إنه فقط يطلب إن كان بالإمكان أن يفعلها بعيداً عن البيت. نعم... لأجل أمه... نعم... حسناً... (ينهي الاتصال) حسناً. هذا فقط من أجلك.

مارتن: شكراً لك... (يمدّ له يده).

ملادين (مرتبكاً، ويصافحه): لأجل ماذا؟

مارتن: لأنك أعطيني الفرصة لأجل تلك المرأة. هذا أكثر ممّا كنت أريد أن أفعله. يبدو أن رحلات أمّي للحج لن تذهب هباءً.

ملادين ينظر إليه مرتبكاً ويهمّ بأن يغادر.

مارتن: والمسدّس؟

ملادين يتوقّف ويلتفت إلى مارتن.

ملادين (مرتبكاً مرة أخرى): اعتقدت أنه معك.

مارتن: السنة الماضية، أعطته أمي للشرطة لأنهاً كانت تخشى من أن أقتل نفسي. اعتقدتُ أنك عملت حسابك لأجل هذا.

ملادين يطلب الرقم ثانية. ويتفقّد غرفة ماريا باستمرار.

ملادين: هالو... إنه أنا ثانيةً. لاً كلّ شيء يسير بشكل جيّد. غير أنه لا يملك مسدّساً... أوه اللعنة... أنا أيضاً اعتقدت ذلك. نعم... أخبر بلاجو أن يذهب الى الجحيم... هذا الرجل صديقنا لا أستطيع أن أطلب منه أن يقفز من أعلى البناية. أمّه تقيم هنا... نعم... حسناً... نعم... (ينهي الاتصال) خلال نصف ساعة بيشتا سينتظرك في محطة القطار بجانب يادرانسكي*. لديه واحد من زمن الحرب غير مسجّل في أي مكان. الآن يجب أن أذهب حقّاً... باي.

مارتن (من الخلف): تحياتي للشباب.

يغادر ملادين وهو يحمل تحت ذراعه الخريطة التي تضمّ رسم قبر زوج ايما.
صمت؟
مارياً تدخل الغرفة. تحمل في يدها ألبوم صور.

ماريا: هذا المساء، سأذهب لأنام باكراً، لأنني في الصباح سأسافر الى لوشين.

مارتن: ماذا ستفعلين في لوشين؟

ماريا: أنا ذاهبة لزيارة القديس سوداتس*... يقولون إن هناك فتاة من إبرشيتناً كل النتائج أظهرت بأن لديهاً صرع، لكن أمّها زارت ذلك القديس حاملةً فقط صورة الفتاة، وعندماً ذهبت لاحقاً إلى الدكتور... نتائج الرسم الكهربائي للدماغ... (مقلّبة صور الألبوم) سأخذ صورتك فقط.

مارتن: أية واحدة ستأخذين؟

ماريا: أحب هذه.

مارتن: أنا هنا لا أشبه نفسي.

ماريا: أنا أحبها.

مارتن: أريد أن تريه هذه... إنها جيدة لصفحة الوفيات.

ماريا (مرتعبة تماماً): طلبتُ منك مراراً أن لا تتحدّث بهذه الطريقة... سترى أن الله سيستجيب لدعائي وستشفى... لن تذهب ياسوعيتي بلا نتيجة... ستعيش حياة أطول من التي عشتُها.

مارتن يرتدي سترته.

ماريا: إلى أين أنت ذاهب؟

مارتن: لأتمشى قليلاً... (يعطي أمّه قبلة).

ماريا: لماذا هذه القبلة فجأة؟

مارتن: اعتقدت أنه يحق لي أن أقبل أمي؟

ماريا: لم تقبلني منذ عيد الميلاد، والآن فجأة نزلت عليَّ قبلة من السماء.

مارتن: شعرت بأني أريد ذلك... لم أشعر بأني أفضل حالاً مما أنا عليه الآن.

مارتن يذهب باتجاه الباب. ينظر مرّة أخيرة نحو والدته وبعدهاً يغادر.
تبقى الأم وحدها.
صمت.

تضئ شمعة وتصلّي بهدوء.

ماريا: السلام عليك ياً مريم الممتلئة نعمة، الرب معك...

بينماً الأم تصلي الأضواء تنطفئ ببطء.
صمت.
الظلام يحل بينماً يظهر ضوء شمعة.
في تلك اللحظة، من خلال الظلام، نسمع صوت ملادين مثل شبح.

ملادين (من خلف الكواليس): عزيزي مارتن. هذه اللحظة ممتلئاً ألماً لنا جميعاً. من الصعب أن نجد الكلمات التي من خلالها نستطيع أن نعبّر عمّا يشعر به أصدقاؤك في الحرب. أنا أعرف فقط أنه معك دفنّا جزءاً منا؛ حياتنا وأرواحنا والفراغ الذي تركته لا يستطيع أن يملأه أحد سوى الاعتقاد بأنه في يوم من الأيام سنلتقي ثانية في نعمة الرب الذي نحمل صورته في أعناقنا في هذه السنوات الصعبة للأمّة الكرواتية. نعدك أمام وجه الله أننا، نحن أصدقاء الحرب، لن ننساك وسنحمي ما هو أقدس منّا جميعاً: الحرية والاستقلال لوطننا كرواتياً التي لأجلها أعطى أفضل بناتها وأبنائها كل ما يستطيعون؛ حياتهم. نحن نعرف أن تضحيتك لم تذهب عبثاً. ربّما هذه الأرض المقدّسة لكرواتيا التي أحببتها كثيراً تكون مريحة لك.

صمت، لا يقطعه سوى صوت سقوط التراب فوق التابوت الخشبي.


[يتبع]


* Mate Matišić كاتب كرواتي من مواليد 1965

** ترجمة عن الكرواتية أحلام بشارات وجوليا غالبينوفيتش

1 نهر في أوروبا الجنوبية

2 أحد المتنزهات في زغرب عاصمة كرواتيا


اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (1-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (2-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (3-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (4-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (5-7)

المساهمون