تجتمع عند الثامنة من مساء اليوم على خشبة "مسرح الجنينة" في القاهرة، فرقتا "أفرونوبيا" و"آرتي نوبيا" اللتان تجتمعان على إحياء التراث النوبي وتختلفان في طريقة إعادة تقديمه.
بالنسبة إلى "أفرونوبيا" فإنها تجمع الموسيقى النوبية التقليدية مع إيقاعات أفريقية حيث تستعين بـ التراث السوداني إلى جانب لمحات من تراث شمال أفريقيا ومصر بشكل خاص.
الفرقة التي أسّسها مغنيها أمادو عام 2014 تضم روبي على الكيبورد، وويتي (تعني مجنون باللغة النوبية) وهو لاعب الغيتار، وخالد على الدفوف، وماستو (تعني الطيب بالنونية) عازف الإيقاعات النوبية، وهادي وعلي عازفا الترامبيت.
أما فرقة "آرتي نوبيا" (تعني جزيرة النوبة)، فقد تأسست عام 2012، وهي قريبة من مزاج "أفرونوبيا" مع خلاف أساسي أنها تسعى إلى إحياء الموسيقى النوبية والمحافظة على تراثها وتطويره وتقديمه أحياناً بصورة مختلفة، لكن الأساس حفظ استمراريته ونقله من جيل إلى جيل.
من هنا فإن الفرقة تحافظ على القالب الموسيقي للأغنية، لكن للفرقة أيضاً أغنياتها الخاصة التي ألفت أغانيها ولحنتها، وللمفارقة فهي حين تؤدي أغانيها الخاصة تقدمها بصورة موسيقى الريغي.
تتكون الفرقة من أحمد سمير (موكا) على الساكسفون، وهشام السيري وأكرم مصطفى على الغيتار، ومحمد انغوما على الترمبي، وميدو رينجا على الدرامز، ومهند طارق ومؤمن حسن (بونغا) على الإيقاع، أما الغناء فيؤديه محمد عواد (شيكا) وحسام سعيد.
للموسيقى النوبية خصوصية ما يعرف بـ السلم الخامس، والاعتماد على الآلات الإيقاعية، وفي هذين الأمرين تشترك مع موسيقى الريغي، ربما لذلك يعتبر بعض الموسيقيين أن التراث الموسيقي النوبي ينتمي إلى الريغي.
والسلم الخامس يتكون من خمس نغمات (أصوات) في كل طبقة صوتية انطلاقاً من جهة القرار، وهو سلم مسخدم في موسيقى الحقيبة السودانية أو الموسيقى النوبية المصرية أو موسيقى حلقات أحواش في الأطلس الكبير والأطلس الصغير المغربيتين، وفي أغاني الروايس في منطقة سوس بجنوب المغرب، وللمفارقة نجده منتشراً في الصين وفيتنام وكوريا، وقد انتقل إلى بعض أغاني البلوز عبر الموسيقيين الأفارقة، وتلفت دراسات إلى أن سبب انتشاره شعبياً أنه يتميز بالغياب التام لفترات السكوت بين درجة وأخرى.
يعزز هذا الاعتقاد أنها موسيقى لم تتأثر بالثقافة الموسيقية العربية إلا لماماً وبشكل لا يظهر بوضوح، ذلك أنها تنتمي إلى موسيقى قبلية شاعت منذ أيام الفراعنة، اختلطت قليلاً بموسيقى الشمال وحين دخل العصر البيزنطي تأثرت أيضاً بالإنشاد القبطي، وبعد أن كانت تعتمد على الهارب وبعض الآلآت الشعبية، دخل إليها الصنج المصنوع من النحاس والدف وقد استمر تأثير الإنشاد القبطي ويبدو أنه ترك أثراً أعمق موسيقياً من الإنشاد الإسلامي وما زال يظهر في الغناء النوبي إلى اليوم.
رغم غربتها عن الموسيقى الطربية العربية التي كانت شائعة في الستينيات، وميل إيقاعاتها الصريح إلى التراث الإيقاعي الإفريقي، إلا أنها صنفت موسيقى عربية في تلك الفترة، الأمر الذي ساهم في انتشارها في مصر على يد فنانين نوبيين مثل حمزة علاء الدين وأحمد منيب، وهما من أول من لحن كلمات عربية على إيقاعات وسلم الموسيقى النوبية، حيث كانت الأغاني كلها باللغة النوبية من قبل.
ولمزيد من "تعريب" الموسيقى النوبية جرى إدخال العود الذي لم تكن تعرفه هذه الموسيقى من قبل، فقد كان الطنبور هو الآلة الوترية الشائعة، ثم دخل عليها المذهب والكوبليه. وفي الثمانينيات شاع اسم بحر أبو جريشة ومحمد منير، وهما مصريان نوبيان؛ وفي حين قدم الأول أغنية شجية تمزج السواحلية بالنوبية ولم ينجرف أبداً مع الإيقاعات الحديثة ولم يصبح نجماً بالمعنى الجماهيري، بينما أصبح محمد منير نجماً يقدم شكلاً خاصاً من الغناء وبطريقة لا تخلو من الأثر النوبي والأفريقي الموسيقي المتمازج بالعربي.
بالعودة إلى الفرق الشابة "أفرونوبيا" و"آرتي نوبيا"، فإنها تحاول أن تقدم شيئاً أقرب إلى النسخة الأصلية لذلك الغناء، وأن تعلي من صوت التراث الشعبي وإيقاعاته لتحميها من الاندثار.