تحت عنوان "أصداء والتر بنيامين: حول التراث والتاريخ والثورة"، صدر حديثاً عن دار "هنّ" كتاب يتضمّن مقالات للمفكر والناقد الألماني والتر بنيامين (1892-1940) إلى جانب مقالات لعدد من الكتّاب والمحللين والباحثين العرب، بتحرير فؤاد حلبوني وإسماعيل فايد.
الكتاب هو جهد ثلاث سنوات من التفكير في إرث صاحب "أطروحات حول فلسفة التاريخ" أو بعنوان آخر "عن مفهوم التاريخ" وهو آخر عمل مكتمل لبنيامين، كتبه في السنة الأخيرة من حياته، ويعد أكثر مقالاته إثارة للجدل إذ ينتقد فيها الفكر التاريخاني (Historicism) ومركزية فكرة التقدم في الفكر الفلسفي الأوروبي والمدارس التأريخية المتأثرة بذلك الفكر، وانطلاقاً من هذه الأطروحة يعيد المشاركون في الكتاب التفكير في اللحظة العربية الراهنة ومآلات الثورات والعلاقة اليوم بالتأريخ والذاكرة.
"العربي الجديد" التقت أحد محرري العمل الباحث والكاتب فؤاد حلبوني، قبيل أمسية إطلاق للكتاب، التي ستقام في "المعهد الهولندي-الفلمنكي" في القاهرة عند السادسة من مساء الخميس المقبل، الثلاثين من الشهر الجاري.
حول اختيار بنيامين لقراءة ما بعد الثورات العربية، يقول حلبوني "اخترنا العمل على بنيامين لأننا ارتأينا أنه يمكن أن يساعدنا في فهم مآلات الانتفاضات العربية الأخيرة، فقراءته للتاريخ ونقده للمدارس التاريخية المختلفة مهم في اللحظة التي نعيشها اليوم".
ويضيف "من الممكن القول إن ثمة بداية لصراع حول الذاكرة، والسيناريوهات حول ما حصل خلال ظروف الثورات والحرب، وأن هناك حرب على الذاكرة من طرف المنتصرين أو الأنظمة المنتصرة، وهذا لا يأخذ صراعاً مباشراً حول الذاكرة، لكن الأنظمة تحاول أن تخلق سرديات معينة بهدف إثبات حقائق أو محو أخرى".
يتضمن الكتاب ترجمة مباشرة عن الألمانية لمقالي بنيامين "مفهوم التاريخ"، و"المقطع اللاهوتي السياسي"، الأولى ترجمتها أميرة المصري، والثانية أنجزتها المصري وأحمد همام.
أما أطول مقالات الكتاب وأهمها، وفقاً لحلبوني فهي مقالة تفسيرية لنقد بنيامين عن التاريخ، ويربط كاتبها ستيفان موزيس، بين بينامين وفلاسفة ألمان قبله، ويحمل عنوان "ملاك التاريخ: روزنزفايغ، بنيامين، شولم"، بترجمة راوية صادق ودينا علي.
مقدمة الكتاب وضعها الكاتب والمحلل السوري ياسين الحاج صالح وعنونها بـ "دعوة إلى والتر بنيامين"، وفيها يحاول التفكير مع بنيامين في الثورات العربية ومآلاتها، ويقدم تفسيرات خاصة لبنيامين لا سيما وأن الأخير "لم يترك نسقاً فلسفياً كاملاً على نهج الفلاسفة الألمان قبله" وفقاً لحلبوني.
وتحت عنوان "أدركوا اللحظة الخلاصية" يأتي مقال إسماعيل البحار الذي يتضمن أطروحات أو شذرات حول الثورة المصرية تتبنى منهجية بنيامين في نقد التأريخ. كما يضم الكتاب مقالاً لحاكم رستم بعنوان "حتمية النظر إلى الخلف وإلى الأسفل: بنيامين وغير الأوروبيين".
كذلك يتضمن العمل مقالين لحلبوني؛ الأول بعنوان "والتر بنيامين ومسألة التراث والتاريخ: تمشيط التاريخ في الاتجاه المعاكس"، والثاني "والتر بنيامين وسؤال المستقبل".
يرى حلبوني أنه وإلى جانب تقديم نقد بنيامين للتاريخ "يحاول هذا الكتاب التفكير معه والبحث في كيف يمكن لبنيامين أن يفتح لنا مسارات للتفكير في ضوء اللحظة الراهنة، ويمكن القول إن هذا أكثر وفاء لتركة بنامين، هذا هو ما يسعى إليه الكتاب".
ويكمل "رغم أن الكتاب تجميعي، لكن التحرير والهوامش التي أضيفت إلى المقالات من إسماعيل فايد ومني استغرقت أكثر من سنة، فضلاً عن الندوات والورش التي سبقت الكتاب، لأن بنيامين كاتب غزير ومتعدد وليس له نسق فلسفي متكامل كما قلنا، بل إن طبيعة كتاباته شذرية ومتعددة".
الكتاب هو نتاج عمل "ملتقى التاريخ والذاكرة الثقافية" (بدعم من "الصندوق العربي للثقافة والفنون")، والذي يقيم سلسلة من الندوات التي طوّرها حلبوني وفايد منذ 2015، ويسعى إلى اكتشاف أرضيات جديدة للتفكير والنقاش حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة قد تسهم في تكوين قراءات مغايرة للتاريخ الاجتماعي والثقافي المصري.